الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس الطقوسية وفاعلية العلاج السلوكي في التخلص منها

السؤال

السلام عليكم.

أنا أعاني من أفكار وأفعال غريبة جداً منذ حوالي 15سنة، مثلاً أصعد إلى الفراش بالقدم اليمنى ثم أقول كان علي أن أصعد بالقدم اليسرى! وأشعر بالتوتر والتشاؤم والقلق حتى أنزل من الفراش وأصعد بالقدم اليسرى، ثم أعود لأقول: أنا صعدت إلى الفراش مرتين -يعني عدد زوجي- يجب أن أنزل ومن ثم أصعد مرة أخرى ليصبح رقماً فردياً وإذا نزلت وصعدت بطريقة مختلفة عن الطريقة الروتينية أعود وأتوتر وأبقى أنزل وأصعد حتى يذهب القلق وأحياناً أبقى متوتراً وأفعل هذا لمدة ساعة وأنام وأنا قلق جداً.

وفي الصباح أيضاً يمكن أن أعلق بأي شيء وأكرر الأفعال مثال: النظر إلى الأشياء لا أعرف إن كنت نظرت إلى شيء ما عدداً فردياً أم زوجياً فأبقى أنظر مراتٍ ومراتٍ حتى أرتاح، وكذلك لمس الأشياء يعني عندما أكون أمارس الأفعال وألمس شيئاً باللفظ يجب أن ألمسه مرةً أخرى لكي أرتاح، فما العلاج؟

أخذت الزولوفت والبروزاك والأنفرانيل والسيروكسات ولم أتحسن، فما هو هذا المرض وهل هناك علاج؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فادي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

هذه وساوس قهرية وهذه تعرف بالوساوس الطقوسية العملية، أي أنها ليست وساوس فكرية في المقام الأول، الجزء الفكري فيها يعتبر ثانوياً جدّاً، إنما الجانب التطبيقي والطقوسي والعملي هو الجانب الأساسي.

بكل صدق وأمانة سيكون من المثالي جدّاً إذا ذهبت إلى أخصائي نفسي وليس طبيباً نفسياً، كي يقوم معك بممارسة العلاج السلوكي؛ لأن العلاج السلوكي يعتبر هو العلاج الأساسي لعلاج الطقوس الوساوسية، والأدوية قد تساعد ولكن يعرف أن الاستجابة للأدوية ليست مثل الاستجابة لهذه الأدوية حين تكون هناك أفكار وساوسية، أي أن الأدوية تساعد وتقلل من الأفكار الوساوسية ولكنها أقل فاعلية في حالة الطقوس والأفعال الوسواسية. هذا هو الذي وددت أن أوضحه لك أولاً.

بالنسبة للعلاج والذي ذكرت لك يمكن أن يساعدك المعالج فيه، أو أن تقوم بكتابة كل هذه الوساوس التي تنتابك مما يخص صعودك للفراش وتمسكك بأرقام معينة وكذلك لمس الأشياء، قم بكتابتها ثم بعد ذلك ابدأ في تحليلها واحدة بعد الأخرى، ويجب أن تركز في التحليل على تحقير هذا العمل وهذا الفعل وأن تقتنع تماماً أنه وسواس.

والتحقير والمقاومة الفكرية سوف تشعرك بنوع من القلق، فتخيل أنك جالس وأنك تريد أن تصعد بالرجل اليمنى قرر مع نفسك أن تخالف هذا الفعل الوسواسي، فإذا كنت قوياً وحازماً مع نفسك سوف تحس بنوع من القلق، بعد ذلك ابدأ بالتطبيق مباشرة: اذهب إلى الفراش وقل: أنا لن أتبع هذا الروتين الوساوسي مطلقاً هذه المرة، وطبعاً سوف تحس بمزيد من القلق، كرر نفس الشيء، وسوف يرتفع القلق لديك أيضاً، وكن صابراً على هذا القلق، بعد ذلك سوف تحس أن القلق بدأ في الانخفاض التدريجي.

هذا يسمى بالتعرض مع عدم الاستجابة، أي أنك عرضت نفسك لمصدر الوساوس دون أن تطبقها مع مقامتها، فالمقاومة سوف تزيد القلق وحين يزداد القلق إذا صبرت على ذلك سوف ينخفض القلق، وزيادة القلق مهمة لأنها تعتبر استجابة علاجية حقيقة، فبعض الناس الذين يعانون الطقوس لا يرتفع لديهم القلق بدرجة عالية، فهؤلاء يصعب علاجهم أما الذين يرتفع لديهم القلق – وأحسبك منهم – فهذا إن شاء الله سوف يقلل وهو إشارة جيدة وبيَّنة جدّاً بأن هذه الوساوس سوف تختفي، وعليك تطبيق مثل هذه التمارين في جميع الأوضاع الأخرى، فحين تصر على نفس الشيء أو تحدثك نفسك بأنه لا بد أن تلمس هذا الشيء مرة ثانية لا تلمسه بل قم بعمل مخالف، قم بالضرب على يدك على جسم صلب أو على نفس هذا الجسم الذي لمسته وتريد أن تلمسه مرة أخرى، اضرب على يدك مرة أو مرتين بدل أن تلمس، فأنت هنا قد قمت بفعل مخالف وفي نفس الوقت سوف يتأتي من الضرب على اليد ألم وحين يرتبط الألم بالفعل الوساوسي سوف يضعف الفعل الوسواسي.

إذن هنالك المقاومة وهنالك عدم الاستجابة وهنالك استبدال الفعل الوسواسي بفعلٍ آخر، فهذه التمارين إذا طبقتها وصبرت عليها - ويا حبذا لو استعنت بأحد المعالجين - سوف تختفي منك تماماً في خلال أسبوعين إلى شهر، وهذا مؤكد وهذا مجرب تماماً.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، بالرغم أني ذكرت لك أن الأدوية ليست ذات فاعلية كبيرة في علاج الطقوس الوسواسية إلا أنه يوجد لها فعالية في إزالة القلق والتوتر وفي تحسين المزاج كما أنها تساعد بنسبة حتى وإن كانت أقل في علاج الوساوس إلا أنها بنسبة معتبرة، والدواء الذي أود أن أنصحك بتناوله هو الفافرين، وهو دواء في الأصل مضاد للاكتئاب والقلق ولكن الدراسات تشير أنه أفضل علاج للوساوس الطقوسية، فابدأ في تناوله بجرعة خمسين ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى مائة مليجراما ليلاً، وبعد شهر ارفع الجرعة إلى مائتين مليجراما وتناولها ليلاً، وبعد شهر آخر ارفع الجرعة إلى ثلاثمائة مليجراما في اليوم وهذه هي الجرعة العلاجية القصوى، تناول مائة مليجراما في الصباح ومائتين مليجراما ليلاً، وأرجو أن تستمر على هذه الجرعة –ثلاثمائة مليجراما– يومياً لمدة ستة أشهر، وسوف تجد نفسك إن شاء الله قد شفيت تماماً خاصة إذا طبقت التمارين السلوكية.

بعد انقضاء الستة أشهر أرجو أن تخفض الفافرين بمعدل خمسين مليجراما كل شهرين، وهذه هي فترة الجرعة الوقائية، بعد ذلك تتوقف عن العلاج.

لاحظت أخي الكريم أنك لا تعمل وبالطبع العمل والبحث عن العمل وأن يكون الإنسان إيجابياً في حياته، وأن يدير وقته هذا في حد ذاته يساعد كثيراً في رفع الكفاءة النفسية والصحة النفسية وإزالة القلق والتوتر والوساوس والاكتئاب، فأرجو أن تملأ أخي الكريم – فراغك بما هو مفيد؛ لأن العمل وسيلة طيبة جدّاً في تأهيل الإنسان من الناحية النفسية.

أسأل الله لك التوفيق والصحة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً