الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس المتمثلة في بعض الأفكار والأفعال والطقوس

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 عاماً، وقد أصبت بالوسواس القهري منذ خمس سنوات، حيث بدأت أحس بشكوك في إتمام الوضوء والطهارة والصلاة، وفي بداية الأمر لم أكن أعرف أنه مرض، ولكني كنت أتعذب كثيراً بسبب إحساسي بأن صلاتي قد تكون فسدت بسبب الزيادة فيها والشك، وكذلك بسبب طول المدة التي أقضيها في الطهارة والوضوء والصلاة، وكان الوسواس شديداً وقتها.

ومع مرور الوقت والوسواس يشتد ويضعف، وقد قلت حدته عما كانت عليه في أول الأمر ولله الحمد، وقد عرفت حقيقة مرضي بعد اطلاعي على بعض البرامج والمواقع، وعلمت أنه ليس بسبب ضعفي أمام الشيطان كما كان يفسره بعض من حولي، ولا زالت هناك تصرفات وسواسية أقوم بها حتى الآن ولكني أحاول أن أسيطر عليها حتى لا يلاحظها من حولي، وحتى لا أسبب لهم الألم.

علماً بأن الوسواس يلاحقني أيضاً عندما أغلق المصابيح أو الصنابير، حيث أظل أنظر في الظلام حتى أتأكد من أن المصباح قد أغلق، ومؤخراً بدأت تظهر عندي شكوك في العقيدة وتكذيب كل شيء، ومرت علي لحظات صعبة أتخيل فيها أني ألقي بنفسي من الشرفة، ومن الصعب أن أذهب إلى طبيب نفسي مع أني أريد ذلك بشدة، ولكني لا أريد أن أرهق أهلي، وأنا على استعداد لتناول الأدوية التي توصون بها بدقة، وأسأل الله أن يعينني على محاولتي للتغلب على الوسواس في أفعالي وأفكاري.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريضة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح أنك تعانين من وساوس قهرية تتمثل في أفكار وأفعال وفي اندفاعات وطقوس وسواسية، ولا شك أن الوسواس القهري هو أحد أمراض القلق ويشخص تحت هذه المجموعة من الأمراض وهو أمر مكتسب، ومن فضل الله تعالى أنك وصلت إلى قناعة كاملة أن هذا المرض ليس دليلاً على ضعف شخصيتك أو قلة الإيمان لديك، بل على العكس تماماً يكون علامة على صميم إيمانك بالله تعالى.

وكثيراً ما تتمركز الوساوس حول المعتقدات الدينية، وما يدور في المجتمع من أفكار، فالوساوس التي لديك هي من النوع الذي يؤلم الإنسان نفسياً ولكن أرجو أن تفهمي أن هذه الوساوس المتسلطة يجب عليك أن تؤمني بسخفها، وهذه الحالات تتحسن تماماً بفضل الله تعالى، ولكن لابد أن تقومي بما يعرف بالتحليل السلوكي، بمعنى أن تكتبي كل هذه الوساوس التي سردتها لنا بصورة جميلة وأن تفرقي بين ما هو فعل وبين ما هو فكر وبين ما هو اندفاع.

فالوساوس التي تقوم على الأفعال سهلة العلاج، والوساوس التي تقوم على الأفكار ليست صعبة العلاج أيضاً ولكنها ربما تكون أقل استجابة مقارنة بالوساوس الفعلية، ولكن في نهاية المطاف تكون الحصيلة إيجابية من الناحية العلاجية، ويمكنك الاطلاع على العلاج السلوكي للوساوس القهرية في الصلاة والطهارة في الاستشارات التالية: (262448 - 262925 - 262925 - 261359 - 262267).

وأما بالنسبة لوسواس إغلاق المصابيح والصنابير - وهي تعرف بوسواس الشكوك - فيجب أن تدربي نفسك عليها بأن تغلقي المصباح مرة واحدة ثم بعد ذلك تخرجي وتصري على نفسك أنك لن تتأكدي مرة أخرى أن المصباح مغلق، وبعد عشر دقائق احضري مرة أخرى للغرفة وقومي بفتح المصباح ثم بعد ذلك إغلاقه مرة واحدة، ثم الخروج من الغرفة، وهكذا أيضاً صنابير المياه.

وأما بالنسبة للاندفاعات الوسواسية والتي تتمثل في أنك تتخيلي فيها بأنك تلقي بنفسك من الغرفة، فلا بد أن لا يتبع الإنسان وساوسه، فحقري هذه الفكرة، ولذلك فإن علاج الوساوس من الناحية السلوكية يعتبر مطلوباً وأمراً ضرورياً، ويمكن للإنسان أن يعالج نفسه ولكني كثيراً ما أطلب من الناس أن يسترشدوا بأحد المعالجين النفسيين، وليس من الضروري أن يكون طبيباً ولكن أخصائي نفسي يستطيع أن يعطي هذه التعليمات ويشرف عليها، وكثير من مرضى الوساوس يحاولون العلاج سلوكياً ولكنهم لا يستمرون، وهذا يسبب إشكالاً كبيراً.

وعموماً أرجو أن تكون لك الدافعية وأن يكون لك الحافز وأن يكون لك الإصرار على علاج هذه الوساوس، والمبدأ هو تحقير الفكرة وعدم اتباعها والقيام بما هو مضاد لها أو أن نقرنها باستشعار أو فكرة مضادة لها.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي وهو متوفر وفعال جدّاً ولله الحمد، وقد وجد أن هذه الأدوية تسهل على الناس كثيراً في أن ينخرطوا في البرنامج السلوكي، ولكن الأدوية يعاب عليها أن الإنسان حين يتوقف عنها ربما تحدث له انتكاسة إذا لم يحافظ على البرامج السلوكية ويستمر عليها، وتوجد عدة أدوية تعالج جميعها إن شاء الله تعالى، وهي في الأصل مضادة للاكتئاب، منها عقار يعرف باسم (أنفرانيل) وهو من الأدوية القديمة، ومن الأدوية الحديثة عقار (بروزاك وفافرين ولسترال وزيروكسات وسبراليكس).

والدواء الذي أفضله بالنسبة للطلاب هو بروزاك؛ لأنه لا يؤدي إلى أي نوع من الخمول ولا يؤدي إلى النعاس، والجرعة المطلوبة هي دائماً تكون أكبر من الجرعة التي نوصي بها في حالات الاكتئاب، والذي الذي أرجوه منك هو أن تبدئي في تناول البروزاك بجرعة عشرين مليجراما (كبسولة واحدة) يومياً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، ويمكن تناولهما مع بعضهما البعض، وهذه الجرعة (أربعين مليجراما) تعتبر جرعة معقولة ووسطية، أرجو أن تستمري عليها لمدة شهرين، وإذا لم تحسي بتحسن حقيقي فلا بد أن ترفعي الجرعة إلى ستين مليجراما، فتناولي كبسولة واحدة في الصباح – عشرين مليجراما – وتناولي كبسولتين – أربعين مليجراما – في المساء.

ويجب أن تستمري على الجرعة لمدة تسعة أشهر، وهذه هي الفترة العلاجية، ثم بعد ذلك تخفضي الجرعة بمعدل كبسولة واحدة كل ستة أشهر، وهذه هي الجرعة الوقائية، بمعنى إذا كنت تتناولين كبسولتين خفضي الجرعة بعد مضي فترة العلاج إلى كبسولة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم استمري عليها لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقفي عن الدواء.

وأما إذا كانت الجرعة ثلاث كبسولات في اليوم فهذا يعني أنه ستكون مدة العلاج الوقائي بالنسبة لك ثمانية عشر شهراً، وهذا الدواء من الأدوية الطيبة والممتازة وليس له أي آثار جانبية بإذن الله تعالى، والدواء الثاني هو الفافرين من الناحية الفاعلية، ولكن أتصور أن البروزاك دواء فعال بالنسبة لك، نسأل الله لك الشفاء والعافية، وأرجو تطبيق هذه التمارين السلوكية وتناول الدواء بالصورة التي وصفتها لك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً