الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الخوف من الرجال الناتج عن موقف معين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 27 عاماً، أصبت بصدمة في سن الرابعة جعلتني أخاف من كل شيء حولي، والسبب في ذلك مشكلة حصلت بين أبي وأمي فقام أبي بضرب أمي، وكنت ألعب حينها فسمعت صراخها، فذهبت لكي أرى ما يحدث فوجدتها ملقاة على الأرض وهو يضربها.

فلما أحس بوجودي تركها ورمقني بنظرة أرعبتني، فأحسست حينها أنه وحش حاد الطباع، ولم أُصدر حينها أي صوت وإنما انسحبت من الغرفة وجلست في الزاوية ولم أفعل شيئاً، وبقيت صامتة ولم أفهم ما حدث لي ولم أخبر أحداً بالأمر، وصرت أخاف من أبي خوفاً شديداً.
وعشت في تلك الحال حتى سن العشرين، ولم أتطور في عقلي، وبقيت في تلك السن أعاني من وهم الخوف، ولم أكن أفعل شيئاً في حياتي سوى الدراسة، ورغم كل ما حصل لم أرسب في دراستي، وكنت أحصل على نتائج مرضية.
ولم أكن أخاف من أبي فحسب، بل كنت أخاف من كل الناس وخاصة الرجال، وأصبحت لا أستطيع النظر في أعين الآخرين؛ لأني أشعر بخوف كبير، ولم تعد لي ردة فعل إذا حصل لي شيء، فإذا سقطت لا أصرخ، وإذا أُخذ مني شيء فإنني أبقى في مكاني ولا أفعل شيئاً.
وقد زرت طبيبة نفسية فحلت نصف المشكلة خلال سبع سنوات، ولم يعد الخوف كما كان، لكن المشكلة أني لا أستطيع أن أكلم الرجال وأرتعش في حضرتهم، وأصبحت أكره الكلام، وإذا كنت في الخارج أنتظر الحافلة وكأن هناك من يقابلني، فإنني لا أستطيع أن أقف دون أن أشعر بالقلق والخوف وينعدم التنفس، وهذا يؤثر على صحتي، وأعاني من الوهن العصبي من شدة هذا التوتر والتعب، ولم أعد قادرة على فعل شيء، وهناك من يريد خطبتي وأعجبني كثيراً لكن حالتي تمنعني من أن أفكر في هذه الأمور.

علماً بأني أقرأ القرآن وأصلي ولله الحمد، وهذا أعانني كثيراً، فأريد منكم أن تشرحوا لي حالتي وتعطوني حلاً لكي أتخلص من هذا الخوف، وما معنى أن نأخذ بالأسباب؟
وشكراً جزيلاً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن ما قمت بسرده من صعوبات في الطفولة، وأن والدك قام بضرب والدتك بصورة فظة أمامك، وهذا قد أثر عليك مستقبلاً، فنحن لا نهمل ما يحدث بين الأزواج خاصة إذا تطور الأمر ووصل إلى مرحلة العنف الأسري الذي قد ينتج عنه آثار نفسية وجسدية واجتماعية سلبية، ولكن دائماً نرى أنه من الضروري أن ينظر أفراد الأسرة إلى الجوانب المشرقة في أسرهم.
وهذه الحادثة حدثت وأنت في سن الرابعة، فلا أستطيع أن أقول أنك تستطيعين تذكر الحادثة، ولكني أقول أنه لا يمكن أن تستوعبي معناها ومغزاها بصورة كاملة للدرجة التي تلتصق في كيانك وعقلك وتسبب لك المخاوف المستقبلية، وربما تجدي من يوافقك على هذا الرأي وهو أن المسبب الأول لحالتك هو هذه الحادثة، ولكن في رأيي - مع احترامي لرأيك الكريم - لا أرى أن هذه الحادثة وحدها يمكن أن تكون سبباً للمخاوف المستقبلية التي أُصبت بها، فلابد أن يكون لديك في الأصل الاستعداد للخوف، ومن وجهة نظري هذا هو العامل الرئيسي الذي جعلك تستشعرين الخوف حتى سن السابعة والعشرين.

والخوف الذي تعانين منه هو نوع خاص من الخوف، هذا الخوف يعرف بـ(المخاوف الخاصة) أو (المخاوف البسيطة)، فهي متوجهة نحو الرجال - كما ذكرت - وفي نفس الوقت تحدث لك أيضاً في بعض الأماكن العامة، وهذا يسميه البعض بخوف الساح أو خوف الساحة؛ لأنه يحدث لك في مكان عام وأثناء وجود الآخرين، والشعور بالقلق وانقطاع النفس هو من سمات أو الصفات الرئيسية لمثل هذا النوع من الخوف، وحتى ما وصفته بالوهن العصبي هو أيضاً سمة من سمات هذا الخوف، والمخاوف عموماً من الناحية التشخيصية تتبع أمراض القلق النفسي.

فأود منك أولاً: أن تحاولي أن تتذكري وتركزي على الجوانب الإيجابية في والدك؛ لأن التركيز فقط على هذه الحادثة وعلى الجوانب السلبية الأخرى في معاملته لأفراد أسرته هذا لن يفيد، وفي نفس الوقت ربما يضعك في موقع يبعدك عن البر بوالدك وأنت مطالبة بذلك، والسعي لتغيير مفاهيمك حول والدك في نظري هو علاج ضروري وأساسي، فالوالد له حق، ونحن في الطب النفسي نرى دائماً أن حب الآباء لأبنائهم هو حب فطري وغريزي، ولكن قد يختلف المنهج التربوي من أب إلى آخر، فلا نعتقد أن والدك أراد أن يوقع بك الأذى بضربه لوالدتك.

وعموماً هذا الموضوع طويل وقد دار حوله نقاش كبير، والذي أود أن أخلص له هو أنه سيكون من البر أن تفكري عن والدك إيجابياً، والأهم من ذلك أن الحوادث السابقة والماضية يفضل أن ننظر إليها كتجارب، ولا ننظر إليها كفشل، إنما هي تجارب نحاول أن نستفيد منها في حياتنا الحاضرة وفي حياتنا المستقبلية، وذلك حتى نعيش الحاضر بكل إيجابية ونعيش المستقبل بقوة وأمل، هذا ضروري.
يأتي بعد ذلك علاج سلوكي هو أيضاً مهم في حالتك، وهو أن تحقري فكرة القلق، وتحقير القلق يأتي بإجراء حوار داخلي مع نفسك بأن تقولي: (لماذا أخاف؟ لماذا أكره الرجال؟ الرجل هو أبي والرجل هو أخي، والرجل هو خالي، والرجل هو زوجي -إن شاء الله-) فيجب أن لا تنظري النظرة القاتمة والسلبية نحو الرجل، كما أنك إذا قمت بتحليل هذه المخاوف بكل جدية سوف تجدين أنها سخيفة ولا تستحق كل هذا الاهتمام، وهذا نسميه بتغيير المفاهيم وضرورة الارتباط بالواقع والرجوع إلى ما هو طبيعي ومطلوب من الناحية الاجتماعية والنفسية، فتغيير المفاهيم سوف يساعدك كثيراً إن شاء الله.
أنت أيضاً محتاجة لتمارين الاسترخاء؛ لأنك تعانين من انقطاع النفس في المواقف التي يحدث فيها التوتر والقلق، والاسترخاء دائماً هو ضد القلق وضد التوتر، وهناك كتيبات وأشرطة منتشرة في المكتبات توضح كيفية القيام بهذه التمارين، فأرجو الحصول على أحد هذه الكتيبات أو الأشرطة، ويمكنك أيضاً الاستعانة بأخصائية نفسية - وليست طبيبة نفسية - حتى تقوم بتدريبك على هذه التمارين الاسترخائية.

وسيكون أيضاً من الجيد لك أن تمارسي الرياضة - أي نوع من الرياضة تناسب الفتاة المسلمة - لأن الرياضة تولِّد طاقات إيجابية جديدة وتقضي على الطاقات النفسية السلبية.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وأنت في حاجة لأحد الأدوية التي تعالج هذا النوع من الخوف والقلق، وهذا الدواء الذي أصفه لك يُعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويُعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويسمى في المغرب باسم (ديروكسات Deroxat)، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم اخفضي الجرعة إلى نصف حبة ليلاً واستمري عليها لمدة شهر، ثم توقفي عن تناولها.

وباتباعك لهذه الإرشادات وتصحيح مفاهيمك، وتناول الدواء الذي وصفته لك سوف تنتهي هذه المخاوف، كما أنه من الضروري جدّاً أن تعرضي نفسك دائماً إلى المواقف التي تحسين فيها بعدم الارتياح، فالمواجهة وعدم التجنب هي من أصول العلاج السلوكي للقلق والمخاوف والتوترات، فأرجو أن تكوني حريصة على ذلك.

وأنصحك أن تتواصلي اجتماعياً مع أهلك وأرحامك وصديقاتك، وحاولي أن تشاركي في الجلسات النسائية والحوارات التي تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة على جميع المستويات، فهذا سوف يساعد في تصحيح مفاهيمك عن الرجال، ويمكنك الاستزادة بالاطلاع على علاج المخاوف سلوكياً في الاستشارات التالية: (262026-262698-263579-265121).

وأما معنى أن نأخذ بالأسباب، فإن الأخذ بالأسباب هو من الواجبات الضرورية، ويعرف أن الأمور تسير وفق ما هو مقدر ووفق ما هو مكتوب في الأزل، والإنسان يجب أن لا يستسلم وأن لا يتواكل ويقول أن هذا الأمر مقدر لي، وهذا يتأتى بالأخذ بالأسباب؛ بمعنى أنه إذا كنتُ مريضاً مرضاً معيناً فلابد أن أذهب إلى الطبيب ولابد أن أتناول الدواء، ولابد أن أدعو الله أن يشفيني، هذا هو الأخذ بالأسباب؛ بمعنى أنني لا أتواكل وأجلس وأنتظر الشفاء.
فالأخذ بالأسباب هو مطلب مهم ومطلب ضروري، وشريعتنا الإسلامية السمحة دعت إلى ذلك كثيراً، ونعرف أن الحكمة هي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، فلذا يجب أن تكون آفاقنا متسعة ويجب أن نخضع الأمور للمنطق ونأخذ بالأسباب، بمعنى أن نبحث عن كل الطرق الوسائل التي تحقق لنا الغرض الذي نريد أن نصل إليه، نسأل الله لك الشفاء والعافية.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً