الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لفتاة تعاني الشعور بعدم إرادة والدتها لسعادتها في منعها من الزواج

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة، أرجو منكم حلاً لمشكلتي النفسية.

أنا فتاة جميلة، دائماً أحلم أن أمي تقف في وجهي ولا تريد سعادتي، سمحت لأخواتي بتزويجهن أما أنا فمنعتني، وكلما أمشي بطريق وأشرف على الوصول لنهاية الطريق تمنعني أمي، أنا تعبانة نفسياً حتى من يريد أن يخطبني، الناس يعجبون بي كثيراً، لكن لا يرجعون، صرت أشك بنفسي، أنا نفسي أن أكوّن أسرة وأنجب أولاداً أربيهم على الدين ومكارم الأخلاق، لكن ما باليد حيلة، أود أن أجد حلاً لمشكلتي، مع أني واظبت فترة ليست قليلة في قراءة الرقية وآيات القرءان لكن لا فائدة، يئست كثيراً فأود أن تجدوا لي حلاً لمشكلتي.
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ نسمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، وأن ييسر أمرك، وأن يمنَّ عليك بالانتهاء من دراستك على خير، وأن يتكرم عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وترزقين منه بذرية صالحة طيبة تربينهم على الدين ومكارم الأخلاق.

وبخصوص ما ورد برسالتك من أنك تبلغين من العمر واحداً وعشرين سنة وتقولين: إن أمك دائماً تقف في وجهك أو تحلمين بذلك، وأنها لا تريد سعادتك حيث إنها سمحت لأخواتك بالزواج، أما أنت فمنعتك من ذلك، وكلما تمشين بطريق وتشرفين على الوصول لنهايته تجدين أن أمك تمنعك، حتى إنك تعبت نفسياً، وكلما تقدم إليك أُناس ممن أُعجبوا بك يذهبون ولا يعودون، وتقولين بأنك واظبت فترة ليست قليلة على قراءة الرقية الشرعية، ولكن ما استفدت من ذلك شيئاً.

فإنه مما لا شك فيه أن الناس جميعاً متفقون أن الأم والأب هما أحرص الناس على مصلحة أبنائهما، وأنه يستحيل أن نجد أمّاً طبيعية تكره الخير لابنتها أو لابنها، فهذا أمر لا معقول، حتى الحيوانات أنت ترين بعينك هذه القطة (الهرة) التي تحمل أطفالها الصغار لتنقلهم من مكان إلى مكان، وتعرض نفسها للخطر حفاظاً على حياة أطفالها وصغارها، والكثير حتى من جميع الحيوانات والطيور تدافع دفاعاً بل قد تموت تضحية عن أبنائها، فإذا كان هذا هو شأن الحيوانات العجماوات اللاتي لا تعلقن من المصلحة شيئاً؛ فهل تظنين أن أمك ستكون أقل من هؤلاء؟! وهل تتوقعين أن هناك أمّاً تقف في وجه ابنتها ولا تريد سعادتها بدون أسباب؟! قطعاً لابد هناك من أسباب.

أنت لم تتكلمي أساساً عن المشاكل أو عن الظروف التي تعيشين فيها أكثر من هذا الكلام المقتضب؛ ولذلك هذه ليست رؤيا وليست حلماً يدخل فيه الكلام كله في بعضه، حتى إذا عرضت هذه الرؤيا على بعض المتخصصين قال: هذه ليست رؤيا، وقال: هذا حديث نفس فقط.

ولذلك أنا أقول بارك الله فيك: إن مما نتفق عليه أنه يستحيل أن توجد أمّ تقف في وجه ابنتها ولا تريد سعادتها، ولكن هذا الأمر -كما ذكرت- قد يكون هو تصورك وقد يكون فيه شيء من الحقيقة، وأنا لا أُنكر ذلك، ولكن لماذا لا تجلسين مع أمك وتفتحين معها حواراً صادقاً هادفاً بهدوء وأدب وتواضع لتبحثي في هذه المسائل، ولماذا هي تقف في وجهك؟ ولماذا هي لا تريد سعادتك؟ لأنك أحياناً قد ترغبين في الزواج لكونك جميلة ولكنها ترى أن مواصلة الدراسة أولى من الزواج الآن، فأنت مازلت في الواحدة والعشرين من عمرك، معنى ذلك أنك مازلت صغيرة نسبياً وأنه من الممكن أن تنتهي من دراستك الجامعية وبعدها سوف يبدأ مشروع الزواج كما هو حال معظم الفتيات الآن، وهذا هو تفكير معظم الأسر في عالمنا العربي والإسلامي، فإن الآباء والأمهات يحرصون دائماً على أن يُكمل أبناؤهم الدراسة حتى تكون البنت مؤهلة لأن تجد عملاً مناسباً أو أن تتزوج شخصية مناسبة، وحتى لا تكون أمِّية أو جاهلة أو تعجز عن تربية أبنائها.

ولذلك أنا أتصور أن منع أمك لك من الزواج الآن مثلاً إنما هو بقصد إعطائك فرصة للانتهاء من الدراسة، ثم بعد ذلك يأتي البحث عن الشخص المناسب، والحمد لله ستكونين في فرصة أفضل مما أنت عليه الآن، فأنت كما ذكرت فتاة جميلة وستكونين جامعية أيضاً وأنت على خلق ودين كما يبدو من رسالتك، فهذه عوامل كل رجل فاضل يبحث عنها، أما الآن أنا لا أتصور أن أمك لا تريد لك الخير أبداً؛ لأن هذا في حكم المستحيل، ولكن لعلها لا تريدك أن تفكري في موضوع الزواج الآن حتى لا تُشغلي عن دراستك، وحتى لا تتعثري في مسيرتك الدراسية.

ومن هنا فإني أقول بارك الله فيك: أنت في حاجة إلى جلسة صريحة وواضحة مع والدتك بعيداً عن أي طرف من أطراف الأسرة، وتخرجين لأمك ما في قلبك بكل صراحة، ولكن بأدب وهدوء، ثم تسمعين لكلامها أيضاً بأدب وهدوء، وأنا واثق أنك ستجدين الحل لمشكلتك، لأنها كيف سمحت لأخواتك بالزواج أما أنت فلا؟ قطعاً أنت ابنتها كما أن أخواتك هم بناتها، ولكن لعل أخواتك كانت ظروفهن تسمح بذلك أما أنت فإن ظروفك لا تسمح، لعلك متفوقة في دراستك وهي تريد لك أن تتمي دراستك، لعلك جميلة وهي لا تريد لك أن تتزوجي بأي شخص، لعلك مثلاً عندك نوع من القصور في بعض الجوانب هي تخاف عليك أن تضيعي في الحياة الأسرية؛ لأن الأصل والمنطق والعقل والعرف كلها تؤيد أن الأم يستحيل أن تكره الخير لابنتها، بل إنها تتمنى لابنتها أن تتزوج قبل ابنها؛ لأنها تقول: إن الولد لا يعيبه شيء، أما البنت فهي تريد أن تطمئن عليها، وهذه دائماً أفكار الآباء والأمهات في العموم والغالب.

ولذلك أنا أقول: جلسة حوار صريحة مع والدتك سوف يزول هذا الإشكال كله بالكامل، وأنا واثق أنك لست في حاجة إلى رقية شرعية كما ذكرت أنت؛ لأن الأمر لا يعدو أن يكون خلافاً في وجهات النظر، وأن أمك لعلها تعتذر لمن يأتي إليك بأدب وأنت تظنين أن هذا قد يسببه المس أو السحر أو الحسد أو العين، وبذلك أنا واثق - إن شاء الله تعالى – أن الأمور سوف تنتهي على خير بجلسة حوار مع الوالدة كما ذكرت، حوار صريح واضح مليء بالأدب والتواضع والاحترام، سوف تصلين إلى الحقيقة التي تبحثين عنها.

إذا وجدت أن أمك فعلاً ليس لها دور في الموضوع، وأن هذا الموضوع -كما ذكرت- مجرد فهم بالنسبة لك، فعندها - إن شاء الله تعالى – تكتبين إلينا في رسالة أخرى، ونحن سوف نتعاون معك في حل المشكلة من باب آخر، ولكن نحن نتصور الآن أن المشكلة إنما هي في سوء الظن الموجود في ذهنك أو في عقلك تجاه تحليل تصرفات أمك، وأنا أنصحك بالجلوس معها كما ذكرت، وتحليل هذه المواقف وسماع وجهة نظرها، وقطعاً ستجدين عندها جواباً، وهذا الجواب إما أن يكون إيجابياً أو سلبياً، ومن الممكن بعد ذلك أن تكتبي إلينا، ونحن سنساعدك أيضاً مرة أخرى في البحث عن الحل المناسب لهذه المشكلة في حينها بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك في دراستك، وأن يرزقك بر والديك، وأن يعينك على إكرامهما والإحسان إليهما، وأن يمنَّ عليك بالزوج الصالح المناسب في الوقت المناسب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً