الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنهج الصحيح للتعامل مع وساوس الطهارة ومسائل العقيدة

السؤال

جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه للإسلام والمسلمين

إن أختي عمرها 14 سنة تقريباً، وأصيبت بوسواس قهري شديد في الطهارة، وأحياناً العقيدة ولقد أخذناها إلى طبيب نفسي وأعطاها دواء اسمه فافرين، وقد تحسنت - بفضل الله تعالى - ولكن الطبيب كان يقول لها: لا تقاومي الأفكار التي تأتيك لأنك سوف تنهارين إذا لم تتحسني، فلا أدري ما رأيكم بقوله؟

وأيضاً فإننا أصبحنا نقسو عليها قليلاً خصوصاً عند الوضوء فنضربها، فأخاف أن يؤثر ذلك على شخصيتها، فهي أحياناً تقول لي: أحس بأن شخصيتي ضعيفة لأنكم كلكم تضربونني، وأنا أسكت ولكن تقول لي أيضاً أنها تحس أن ذلك أفضل لها؛ لأنه يجعلها تعجل في أمورها، فما رأيكم كيف نتعامل معها؟

وأحس أحياناً أنها مسرورة لأننا كلنا نهتم بها لأنها هي آخر العنقود، فكيف أعرف هل أنا على صح في هذا الإحساس أم لا؟ ولكنها فعلاً مصابة بالوسواس، لكن ما أقصده هو أنها تحب كثيراً أن نحِنّ ونعطف عليها، وتشعر أنها محتاجة إلى حرارة العواطف، وهي تقول لنا بحاجتها لذلك، فلا أدري هل هي تحاول ألا تأخذ بطرق علاجية أخرى لأنها تريد هذا الاهتمام والعناية أن يطول رغم القسوة والمصاعب التي تعانيها من الوسواس أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الوساوس القهرية تكثر في عمر اليفاعة وبفضل الله تعالى غالباً ما تختفي، خاصة إذا كان هنالك اهتمام بعلاجها.

أولاً: من أهم الأشياء أن يُشرح لهذه الأخت نوعية الحالة التي تعاني منها، يجب أن تعرف أن هذه وساوس قهرية، ويجب أن تعرف أنه ليس مرضاً عقلياً، ولكنه نوع من الحالة النفسية البسيطة، ويجب أن تعرف أن الوسواس هو سلوك مكتسب ومتعلم، والإنسان إذا قاومه واستبدله بسلوك مخالف سوف يتخلص منه.....إذن شرح الحالة بالنسبة لها يعتبر مهما وضروريا جدّاً.

ما ذكره الطبيب النفسي لها أنها يجب ألا تقاوم الأفكار، فأعتقد أنه ربما يكون هنالك سوء فهم في هذا الموضوع، أنا هنا لست مدافعاً عن الطبيب، ولكن يُعرف أن من أهم العلاجات السلوكية للوساوس القهرية هي أن يقاومها الإنسان، أن يحقرها، وأن يعرف أنها تحت إرادته، وأنه يمكن أن يستبدلها بأفكار أخرى، وحتى العلاجات السلوكية المعروفة للوساوس مثل تمرين إيقاف الأفكار، في هذا التمرين يُطلب من المريض أن يكرر أفكاره الوسواسية مع نفسه ثم بعد ذلك يقول لنفسه (قف، قف، قف) عدة مرات، وهو هنا يخاطب هذه الوساوس مخاطبة مباشرة.

وأصول علم النفس السلوكي تقول: يجب أن يعرض الإنسان نفسه لوساوسه دون أن يستجيب لها. فإذن هنا التجاهل والمقاومة واستبدال الفكر الوسواسي بفكر مخالف هو من الضروريات لعلاج الوساوس القهرية.

الموضوع الآخر وهو ما ذكرته أنكم أصبحتم أشد قسوة عليها وتقومون بضربها، فهذا ليس صحيحاً، وليس أمراً جيداً حتى وإن أدى إلى توقفها عن الوساوس.

الضرب ليس بالمنهج الصحيح، إنما أن تشرحوا لها، وأن تساندوها وأن تساعدوها، فعلى سبيل المثال في موضوع الوضوء: حددوا لها كمية من الماء الذي تتوضأ به، لا تجعلوها تتوضأ مثلاً من ماء الصنبور (الحنفية)، إنما يوضع لها ماء في إناء، ويمكن أن تقومي أنت أيضاً بوضع ماء في إناء لنفسك وتقولين لها: (دعينا نتصور ونتخيل أن هذا هو الماء المتوفر لنا فقط) وابدئي معها الوضوء خطوة خطوة.

هذا وجد أنه علاج جيد ومفيد جدّاً، فأرجو أن تساعديها في هذا السياق، وموضوع الضرب والقسوة ليس أمراً جيداً، ونحن لا نؤيده أبداً من الناحية السلوكية خاصة في مثل هذه الحالات.

الجانب الآخر هو أنها تميل لاستدرار العطف والاهتمام بها، هذا أمر طبيعي، ولا مانع أن تكون محط انتباه الناس، وأن يكون هنالك اهتمام بها وأن تحفز وأن تُشجع، ولكن هذا يجب أن يكون في حدود المعقول.

أعتقد أن إشعارها بأهميتها وإعطاءها بعض المهام في المنزل واستشارتها في الأمور الحياتية وأمور المنزل، هذا أفضل بالنسبة لها كثيراً، هذا - إن شاء الله - يساعد على بناء شخصيتها ويقوي شخصيتها، ويجعلها غير اعتمادية.

أرجو أيضاً أن تساعدوها على إدارة وقتها، من أصعب الأشياء التي يواجهها مرضى الوساوس القهرية هو إضاعة الوقت نسبة لعدم إدراكهم بأهمية إدارة الوقت بصورة صحيحة، أو أن الوساوس تتغلب عليهم وتضيع الكثير من وقتهم.

فأرجو أن تضعي لها نوعا من الجدولة اليومية تساعدها في إدارة وقتها، كأن تخصص وقتاً للدراسة، ووقتا للراحة، ووقتا لممارسة الرياضة – أي نوع من الرياضة – المتاحة للفتيات، والقراءة، والترفيه على النفس بما هو مباح... وهكذا.

إذن مساعدتها في إدارة وقتها أعتقد أنه مهم جدّاً، ولا تجعلوا الوساوس تكون مكوّناً أساسياً في حياتها، أي لا تكثروا من الحديث حولها، ولكن حينما تكون في الجلسات العلاجية مثل جلسة الوضوء أو تحفيزها وتشجيعها هنا فقط يُركز على جانب الوساوس، ولكن يجب ألا يكون الأمر شاغلاً.

شاهدت ولاحظت أن بعض الأسر إذا كان هنالك فرد يعاني من الوساوس القهرية تجد أن الموضوع شاغلاً لكل الأسرة ولكل أفراد المنزل، وينتقد الشخص وتصبح كل حياته نكدا وسلبية، هذا ليس صحيحاً، يجب أن تُتاح لها الفرصة بأن توجه طاقاتها لما هو مفيد.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فهو مهم جدّاً في حالتها، والفافرين فعلاً هو من أفضل الأدوية، فلا مانع أبداً أن تتناوله حتى ولو كان لمدة طويلة، والجرعة المطلوبة في حالتها هي أن تبدأ بخمسين مليجراماً ليلاً لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام، ويجب أن تستمر عليها لمدة عام على الأقل، بعد ذلك تخفض الجرعة إلى الجرعة الوقائية وهي خمسون مليجراماً ليلاً وتستمر عليها لمدة عام آخر.

أسأل الله لها العافية والشفاء، ونشكرك كثيراً على اهتمامك بها، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً