الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شاب يعتمد على والده في مصروفه ولم يتم دراسته الجامعية ويريد الزواج

السؤال

ما رأيكم فيمن يدرس ويريد الزواج وعنده شقة ولا يعمل، وعمره 18سنة، بل والده هو الذي يصرف عليه، ووالده قد يكون ميسور الحال. وذلك بالنظر للظروف التي تحل بالشباب المسلم من فتن وشهوات في كل مكان، ومن هي التي ترضى بالزواج منه، لأن الآباء لا يرضون بتزويج بناتهم إلا عند إكمال الجامعة؟

وجزاكم الله عنا وعن الإسلام خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، كما نسأله جل جلاله أن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه وكما لا يخفى عليك أن الإنسان يُصبح في عرف الإسلام رجلاً منذ البلوغ، والبلوغ كما تعلم أيضاً يكون بعلامة من علامات ثلاث: إما بالاحتلام، أو بأن ينبت له شعر العانة أو ببلوغ خمسة عشر عاماً، وأنت الآن قد وصلت الثامنة عشرة من عمرك، فأنت رجل بكل المعايير والمقاييس الشرعية - بإذن الله تعالى - مطالب بكل تكاليف الشريعة، مخاطب بكل أحكام الشريعة، إن أكرمك الله تعالى بعمل صالح فلك أجره، وإن قدر الله تعالى ووقعت في بعض المخالفات فعليك وزرها، كما قال الله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ))[فصلت:46].

وأما بخصوص الزواج فكما تعلم من أنه مسئولية وليس بالأمر الهين، لأنك تستطيع أن تتولى أمر نفسك وأن تقوم على تدبيرها وأن تلزمها ما تريد وما تتمنى وتشتهي، أما الزواج فبما أنه مسئولية عن نفس أخرى فلابد فيه من عوامل خارجية، عن مسألة البلوغ فإن قضية الصحة البدنية ليست هي العنصر الوحيد حقيقة في قيام الحياة الزوجية، كذلك أيضاً قضية توفير بعض المواد، فأنت الآن تدرس وعندك شقة وهذه عوامل طيبة، وجود الشقة يعتبر الآن بالنسبة لبلدك وأهلها خمسون بالمائة من المشكلة قد حلت، ووالدك من الممكن أن يُنفق عليك الآن، ولكن هل يا تُرى هو على استعداد أن ينفق على زوجتك؟ هذه تبقى مسألة أخرى، ولذلك أتمنى قبل أن تفكر في من يرضى بأن يزوجك ابنته أو لا يرضى، لابد أن نتأكد بداية من موقف والدك حفظه الله -:

هل والدك ليس له مانع أن تتزوج الآن وأن يتولى الإنفاق عليك في تكاليف الزواج كلها بالكامل وفي توفير أيضاً النفقات المنزلية المطلوبة حتى ييسر لك عملاً، وحتى تتخرج من الجامعة وتبحث عن عمل وتعين نفسك؟

هذه مسألة أتمنى - بارك الله فيك – أن تدرسها مع والدك أولاً، اعرض عليه الأمر واستعن بوالدتك بعد الله تعالى، فإن شرح الله صدره وكان ليس لديه مانع على اعتبار أنكما -ولله الحمد- من ميسوري الحال، فأقول: إذا كان لديه استعداد وليس لديه مانع فنعم الأب هو؛ لأنه أعانك بذلك على غض بصرك وتحصين فرجك.

ثم بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية؛ لأنك لو تقدمت وحدك الآن لأي فتاة لن يقبلك أحد، حتى وإن كنت من أتقى الناس وأصلحهم؛ لأن الناس يعلمون أنك الآن نفقتك من مال والدك ولا يُعقل أنك ستكون أنت وزوجتك عالة على أبيك، وهم لن يقبلوا أيضاً أن تكون ابنتهم عالة على أبي زوجها؛ لأن هذا الوضع غير طبيعي، فالأصل منا أن الإنسان إذا كان يعمل وإن كان يعمل مع والده فنقول أنه يأخذ راتباً مقابل عمله، وبذلك يستطيع أن ينفق على امرأته من دخله هو، أما أن يكون الواحد منا يعتمد على الله ثم على أبيه، ثم بعد ذلك يتزوج أيضاً لتضاف أعباء جديدة على الأسرة، هذا أمر يجعل أولياء الفتاة يتحرجون ويرفضون حقيقة هذا الطرح، حتى وإن كان الأمر شرعاً ليس فيه شيء، وإن كان من الممكن، ولكنهم يقولون إنها حياة ليست كاملة؛ لأن هذا الرجل عاطل عن العمل ولا يعمل وغداً قد يموت أبوه وقد تتبدد هذه الثروة فمن أين تعيش ابنتنا؟!

إلا إذا تقدم والدك بنفسه وذهب معك إلى أولياء أمور الفتاة وقال لهم أنا المسؤول عن الإنفاق من الألف إلى الياء، وأنا أستطيع أن أرتب لهم، ويضع لهم ضمانات كافية، فأعتقد أنه من الممكن أن تتزوج في هذه المرحلة؛ لأنه كما ذكرت أنت رجل الآن شرعاً منذ خمسة عشر عاماً وأنت رجل، ومعنى رجل أنك تستطيع من فضل الله تعالى أن تتزوج وأن تُنجب، خاصة أن هذه السن هي سن العطاء الحقيقي، فأنت تعلم أن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه – قاد جيش الروم الأول الذي أرسله النبي عليه الصلاة والسلام لقتال الروم، وكان تحت رايته كبار الصحابة -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهو في هذا السن- فهذا سنّ رائع ومبارك، ولكن تبقى المسئولية الأسرية تختلف من جيل إلى جيل ومن زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان.

تقول: ما رأيكم في من يدرس ويريد الزواج؟ أقول: لا مانع من ذلك بالشروط التي ذكرتها، أنت تأخذ موافقة والدك - بارك الله فيك – وأن يُبدي استعداده لذلك، وأن يذهب معك للخطبة، وأن يكون أهل الفتاة على استعداد أن يقبلوا هذا الوضع، إذا تم ذلك فأنا أرى أن ذلك خير وأنه بركة، بدلاً من أن تضيع وقتك في أشياء ليست صحيحة أو أن تستغرق وقتك في محاربة الشهوة، هذا المارد العملاق الذي يتأجج في نفسك ونفس غيرك من الشباب، أقول: كم أتمنى أن يوافق والدك وأن يوافق أهل الفتاة التي سوف تتقدم إليها على ذلك، لأنهم بذلك أعانوا على غض بصر شابين وعلى تحصين فرجيهما، وهذا أمر عظيم رائع ولهم في ذلك أجر ومثوبة عند الله تعالى.

تقول: هل من الممكن؟ أقول: نعم من الممكن، ولكن لابد من تدخل والدك ولابد من إظهار استعداده لتحمل كافة النفقات وأن يتولى عليك وعلى زوجتك، حتى ييسر الله تبارك وتعالى لك وتتخرج بعد ذلك، وإذا كان لدى والدك عمل عملت معه، وإذا لم يكن فابحث عن عمل مناسب أو أبحث لك؛ لأن هذه قضية أخرى كما تعلم أنك قد تتخرج الآن ولا تجد عملاً، فتكون المشكلة ما زالت قائمة، خريج يحمل شهادة جامعية ولكنه بلا عمل، بل هناك أناس الآن يحملون شهادات أعلى من الشهادة الجامعية كالماجستير والدكتوراه ولا يجدون عملاً، فلابد - بارك الله فيك – من تدخل والدك، فإذا تدخل تدخلاً قوياً وإذا ضمن لك وذهب معك إلى الفتاة التي يرغب في أن تتزوج منها بالشروط الشرعية، فأقول: استعن بالله، وإذا لم يتيسر ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم وضع لك العلاج بقوله: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

فعليك بالصبر، وعليك بالابتعاد عن المثيرات، وعليك بالابتعاد عن أماكن تجمع الفتيات والنساء، وعليك بعدم مشاهدة الأشياء التي تثير عندك الغرائز وتحرك الشهوة، وادع الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يوسع رزقك وأن يعينك على الانتهاء من دراستك على خير، وأن يمنَّ عليك بزوجة صالحة تكون عوناً لك على طاعته ورضاه.

هذا هو المتيسر في حالة عدم قبول والدك لهذا الطرح، وليس أمامك إلا أن تتوجه إلى الله بالدعاء والأخذ بهذه الأشياء، وأبشر بتوفيق من الله لأن من سأل الله أكرمه، والله لا يضيع عمل عامل سبحانه.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً