الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاختلاف البيئي بين الرجل والمرأة وتأثيره على علاقتهما

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من سوء تصرفات زوجي وإهمال حقوقي، حيث نعمل في إحدى دول الخليج، ولنا منزل في بلدنا فوق منزل أهل زوجي، ولكنه منفصل تماماً عن منزلهم، وزوجي وأهله يتجاهلون حقوقي، فعندما أعود لمنزلي لا أشعر بالراحة مطلقاً، فهم دائماً يفتحون علي باب المنزل دون استئذان، ودائماً ألح على زوجي أن ينبه أهله عن هذه العادة السيئة دون جدوى.

وما أثار غضبي مؤخراً أني كنت أخلع ملابسي فتفاجأت بوالد زوجي يفتح الباب دون أن يقرع الجرس أو يطرق الباب، وقد قلت لوالدة زوجي أن هذا التصرف حرام وعيب، إلا أنها تقول أنها لا تستطيع التحدث مع زوجها في ذلك، فعقله صعب جداً، ولكنها تشجع هذا التصرف، فقد فتحت علينا باب منزلنا أول يوم زفافنا، وكما تعلمون أن لهذا اليوم خصوصية، وعندما ناقشتها بالأمر تحججت أنها خافت علينا.

وزوجي يفعل ما تقوله والدته, ورغم أن الطاعة شيء جميل إلا أني لا أريد أن يكون ذلك على حساب راحتي واستقراري، وقد طلبت من زوجي أن يضع قفلاً من الداخل، فقال أن أهله سوف ينزعجون من ذلك.

وفي كثير من الأحيان يأخذون أغراض منزلي ويفرغون الثلاجة من الطعام عندما أكون في زيارة أهلي الذين أحب البقاء عندهم وزيارتهم أثناء سفر زوجي، فهل يجوز لهم التحكم في البقاء عندهم في غياب زوجي؟ وما هو التصرف الصحيح معهم؟!

علماً بأني أحمل شهادة بكالوريوس تربية وعلم نفس، ولكني عجزت عن التصرف معهم، وأشعر أن أساس المشاكل هو اختلاف البيئات، فأنا أحب زوجي كثيراً ولكن ضعف شخصيته وسكوته عن الحق جعلني أنفر منه مؤخراً، فما الحل؟!

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rahaf حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك وأهل زوجك، وأن يجمع بينكم دائماً على خير، وأن يرزقك الصبر على تلك التصرفات التي لم تعتادي عليها والتي قطعاً تتعارض مع الحرية الشخصية التي كفلها الإسلام للمسلمين والمسلمات.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن اختلاف البيئات ليس بالأمر السهل، وليس بالأمر الهين، وليس بالأمر الذي يمكن أن يتم القضاء عليه ما بين عشية أو ضحاها، فمجتمع الريف له طبيعة خاصة وأهله لهم تصرفات قد تتنافى إلى حد ما مع ضوابط الشرع، إذ أنهم لديهم عدم الالتزام بالضوابط الشرعية فيما يتعلق بالاستئذان أو حتى الأسرار، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بحقوق الآخرين، وكذلك لديهم نوع من الثقة الزائدة المفرطة التي لا تتفق مع الشرع في مسألة الاختلاط المفتوح وغير ذلك من الأمور التي لا تتفق مع شرع الله، ولكنها مع الأسف الشديد موجودة وسائغة في معظم البيئات الريفية.

وأما مجتمع المدينة فإن فيه غالباً نوعا من الانضباط، حتى وإن لم يكن قائماً على أساس الشرع، فهو قائم على أساس أن هذه طبيعة المجتمع المتحضر، إذ أن الناس يتعودون سلوكيات معينة يكتسبونها من هذه البيئة كالحفاظ على الملكية الخاصة والحفاظ على حرية الآخرين وعدم الدخول بغير استئذان، وعدم الزيارات إلا بعد تحديد موعد مسبق إلى غير ذلك من الأمور التي يخلو منها المجتمع الريفي تماماً.

وأعتقد أن زوجك ليس بضعيف الشخصية وإنما هو رجل مؤدب حيي، ويرى أن أهله في المقام الأول بعد الله تبارك وتعالى، بجانب أن المجتمع الريفي أو المجتمع القبلي البعيد عن المدن والتحضر يعيش أزمة أخرى وهي أزمة التدخل في كل صغيرة وكبيرة واعتقاد الأم بأن زوجة الابن إنما هي امرأة خطفت ولدها منها، فتحرص أن تكون دائماً على علم بكل صغيرة وكبيرة، وهذا ما فعلته والدة زوجك عندما دخلت عليكم في أول ليلة زفافك وفتحت عليكم الباب دون أي استئذان، وكأنها تريد أن تطمئن على ولدها، ولكن الواقع أن هذا نوع من الغيرة المبطنة.

فهذا واقع ليس أمامك فيه إلا الصبر، فمهما حاولنا أن نصلحه فمن الصعب إصلاح ما أفسده التاريخ الطويل وما تراكم عبر القرون والأجيال؛ لأن تضخيم الأمور سيترتب عليه شرخ كبير في العلاقة ما بينك وبين زوجك، وأعتقد أن زوجك يعاني معاناة مرة لأنه يعلم أنك من بيئة مختلفة عن بيئته ويعلم أن تصرفات والديه ليست طبيعية ولكنه لا يستطيع لأدبه وخجله وحيائه أن يوجه اللوم إلى أهله، ولذلك سيكون الأمر كذلك إلى فترة طويلة من الزمن.

فلا تتهمي زوجك بضعف الشخصية، والتمسي له العذر بدلاً من هذا النفور الذي ذكرته؛ لأنه لا مجال له؛ ولأن زوجك لو يستطيع خلاف ذلك لفعله، فاصبري وحاولي أن تتأقلمي مع هذا الواقع قدر استطاعتك، وعليك بالدعاء، وحاولي التفاهم مع زوجك وتوطيد العلاقة بينك وبينه، مع عدم إبداء التبرم أمام أمه أو أهله حتى لا يكرهونك فيؤدي ذلك إلى سوء العلاقة بينك وبين زوجك، ولا مانع أحياناً إن رأيت ذلك مناسباً أن تفاتحيه بهذا الأمر وتبيني له ضرر ذلك على خصوصياتنا إلى غير ذلك، وليس أمامك إلا الصبر والصبر الجميل.

وعليك بسعة الصدر والحلم، وابدئي في تعويدهم على الخير مع شيء من الصبر، فإذا دخلت على حماتك فاطرقي الباب عليها وعلميها أن هذا من أدب الإسلام دون أن تقولي لها بأن هذا هو الإسلام، وإنما من خلال سلوكك عندما تدخلين على الصغير أو الكبير، وحاولي أن تطبقي تلك الآداب الإسلامية الراقية، نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقك الصبر وسعة الصدر والحلم والأناة، وأن يجعلك سبباً في صلة رحم زوجك بأهله، وأن لا يجعلك سبباً في تفريق هذه الأسرة، وأن يصرف عنكم كيد شياطين الإنس والجن.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً