الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوكالة بأجر وأثر الغرر في صحة الهبة

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أعمل في مجال الفيديو ولدي خبرة في الكاميرات وأنواعها
تعرفت على شخص خلال عملي يعمل في إنتاج البرامج التلفزيونية وقد استشارني بداية في نوع الكاميرا التي يريد شراءها لعمل برنامج مع المؤسسة التي أعمل بها فنصحته بنوع معين لقناعتي به أنه نوع جيد للتصوير وبحسب خبرتي وقام هو من طرفه باستشارة غيري فأكدوا له نفس المعلومة بعد أخذ ورد.
رغب هذا الشخص بشراء الكاميرا وقدروا له ثمنها ب/5000/ دولار أمريكي
ثم كان لدي رحلة إلى الولايات المتحدة وأخبرته بذلك وأني أستطيع أن أجلبها له بسعر أقل من ذلك ب/4000/ وذلك لأني وجدتها في موقع الكتروني ب/2500/ دولار أي بمربح شخصي 1500 دولار فأوصاني بجلبها له وأعطاني /5000/ دولار وذلك زيادة لكي أشتري بطارية طويلة الأمد إضافية.
المهم أني هناك لم أستطع الحصول عليها من الموقع الإلكتروني الذي عرضها بالمبلغ الذي كان يعرضها بالسعر الرخيص لعدة أسباب منها أنه غير موثوق لتغييره المواصفات ولذلك قمت بالبحث من جديد عن موقع آخر واستشرت العديد من الأشخاص هناك بالإضافة لإجراء العديد جدا ً من الاتصالات بالشركات هناك وذلك لضمان ألا يحصل نفس الشيء بل بأن أحصل على سعر مناسب لكي أربح ولكي لا أضيع النقود في صفقة فيها مواصفات مختلفة للكاميرا. وقد استهلك الأمر مني وقتا ً كبيرا ً وجهوداً لكن المهم أني لم أجد بسعر أقل من 4700 دولار شيء مضمون.
فقمت بإرسال رسالة اعتذار للرجل أني لن أستطيع جلب الكاميرا لغلاء الثمن المهم أنه أخبرني أن السعر الذي عرضوه عليه ليس في بلده الذي هو فيه ولكن في الإمارات (أي سيترتب عليه مبالغ إضافية عن الخمسة آلاف بالإضافة لكون مواصفاتها
حسب رسائله مشابهة لتلك التي ب /2500/ دولار في أمريكا) فقمت بعرض سعر جديد عليه وهو 5650 دولار مع أجور شحنها إلى شيكاغو حيث كنت.
والمهم أنه أرسل لي أنه موافق على السعر ضمن المواصفات المطلوبة.
فقمت بالشراء والحمد لله أتاني بطارية إضافية مع الكاميرا وحقيبة وغيرها من الإضافات قمت ببيعه البطارية الإضافية بمبلغ 350 دولار إضافي فأصبح المجموع 6000 دولار وحملت الكاميرا معي وعدت لبلدي وأدخلت الكاميرا مع ما فيه من خطورة أن تعتبر تهريبا في بلدي في المطار ولكن الحمد لله دخلت البلد ولم أتعرض للتفتيش وأعطيته الكاميرا
وبينت له أني قد ربحت فيها مبلغا لم أحدده وانتهت العملية.
المشكلة ظهرت فيما بعد حيث سألت زوجتي من تثق برأيها دون توضيح كافة التفاصيل لها
فقالت لها أن هذا البيع حرام إذ أنني يجب أن أخبره عن مربحي فيها وأنه وصاني بالشراء حسب رأيها توصية.
والمعلوم بالعرف أن شخصا ً يوصي الآخر على شيء عادي ليس على كاميرا تحتاج إلى مراسلات ومباحثات وبذل جهد ووقت وخبرة في الشراء لأجل عدم حصول غش وهو ماكان سيحدث معي في بداية الأمر ناهيك عن دخول المطار بها ومخاطرة التهريب.
السؤال: هل هذا البيع حرام أو لا يجوز. أفتوني جزاكم الله خيرا ً مع التوضيح إن أمكن
ولكم جزيل الشكر. مع العلم بأني مستعد لإعادة النقود للرجل إن لم يكن البيع حلالاً.
والسلام عليكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما أوصاك به هذا الرجل من شراء الكاميرا هو عبارة عن عقد وكالة، وهذه الوكالة ما لم تتفقا فيها مسبقا على أجر أو كان العرف جاريا بأن مثل هذا النوع من الوكالات لا يتم إلا بأجر فالأصل فيها أنها تبرع لا يجوز لك أن تأخذ مقابلها شيئا إلا أن يعطيك الرجل شيئا من نفسه على سبيل الهبة.

وفي هذه الحالة -أي حالة الهبة- إذا كنت قد بينت للرجل أنك قد ربحت فيها ووافق على ذلك فهل يعتبر مقدار هذا الربح الذي لم تحدده له هبة منه ولا يؤثر على صحتها جهله به ؟

في ذلك خلاف بين الفقهاء حيث اختلفوا في تأثير الغرر أي جهل مقدار الهبة وهل يمكن أن تحصل أم لا،على عقد الهبة، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الغرر يمنع صحة عقد الهبة، كما يمنع صحة البيع، يدل لذلك أنهم اشترطوا في الموهوب ما اشترطوه في المبيع.

وذهب المالكية إلى أن الغرر لا تأثير له في صحة عقد الهبة، قال ابن رشد: "ولا خلاف في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود، وبالجملة كل ما لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر".

وقد علل لذلك الإمام القرافي فقال: فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه، فإنه لم يبذل شيئا، بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه، أما الإحسان الصرف فلا ضرر فيه، فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول، فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا، وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله.

والراجح لدينا هو مذهب المالكية لقوة مأخذه.

وفي حالة كون العرف جاريا بأن هذه الوكالة بأجر فلابد من تحديد الأجر مسبقا وإذا لم يتم تحديده كان لك أجر المثل كما هو الشأن في كل الإجارات الفاسدة.

وفي هذه الحالة إذا تبين بعد عرض الأمر على أهل الخبرة أن ما أخذت زائدا على الثمن الفعلي للكاميرا هو أجر المثل فلا حرج فيما أخذت ولا يلزمك رد شيء منه وإن تبين أنه أكثر فعليك أن ترد الزائد وإن كان أقل فلك أن تطالب بالزيادة.

وننبهك إلى أن البطارية الإضافية أو الحقيبة ونحوها من الإضافات إذا كانت هدية مع الكاميرا فإنه لا يحق لك أن تبيعها للرجل وعليك أن ترد ثمنها إليه لأنها تابعة للكاميرا التي اشتريت بماله وأنت مجرد وكيل عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني