الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يجب على من أفطر عدة رمضانات

السؤال

أفطرشاب شهر رمضان كله لسنوات متتالية، وقد ندم علىذلك ويريد التكفيرعن ذنبه، فيرجو من سيادتكم تبيين مقدارالكفارة الواجب إخراجها عن كل يوم أفطره نقدا مع تبيين ذلك تحديدا بالعملةالمحلية أي الدينارالجزائري ،وهل يجوز دفعها لمسكين واحد، وإن كان طعاما فكم المقدار، وهل يجوز إطعام عدد من المساكين معه مثلا كل ليلة. وفقكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الفطر في نهار رمضان بغير عذر شرعي من كبائر الذنوب عند الله تعالى ، لأن صيام رمضان أحد أركان الإسلام التي بني عليها ، كما ثبت في الحديث الصحيح. فتركه بغير عذر هدم لذلك الركن العظيم عند الله تعالى ، فعلى من فعل ذلك أن يتوب أولا إلى الله تعالى توبة نصوحاً ، ويكثر من الاستغفار ، والأعمال الصالحة. ويجب عليه أيضاً أن يقضي جميع ما أفطره منه من الأيام إلى الآن ، كما تجب عليه الكفارة الكبرى إن كان قد حصل منه جماع في نهار رمضان وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ، لكل مسكين مد من غالب قوت الناس. والمد هو ملء اليدين المتوسطتين ، لا مقبوضتين ولا مبسوطتين ، ويساوي بالوزن سبعمائة وخمسين غراماً تقريباً ، وجمهور العلماء على أنه لا يجزء إخراج قيمة الطعام، وذهب الحنفية إلى أن قيمة الإطعام مجزئة عنه ، مستدلين بأن المقصود هو سدُّ خلة المسكين ، وذلك حاصل بالطعام ، وبقيمته على حد السواء ، وقد رجح هذا القول طائفة من أهل العلم قديماً وحديثاً ، وهذا الترجيح وجيه ، وخاصة إذا لم يوجد فقير يقبل الطعام ، أو كانت الحاجة إلى النقود أمس ، ونفعها للفقير أكثر. كما هي الحال في هذا العصر. ثم ليعلم أن هذه الخصال الثلاث على الترتيب المذكور ، بمعنى أن المكفر لا ينتقل عن واحدة منها إلى التي بعدها إلا بعد عجزه عنها.
وهذا هو الراجح الذي يدل عليه سياق الحديث المذكور في الجواب المشار إليه آنفاً. وعليه جمهور أهل العلم.
وذهب المالكية إلى أنها على التخيير ، فللمكفر أن يفعل أيها شاء ، والأفضل عندهم الإطعام ، لأن فيه منفعة متعدية إلى الغير.
ومما يتعلق بمسألة الإطعام أنه لا يدفع لمسكين أكثر من مد أو قيمته من كفارة يوم واحد ، لكن إذا كانت على المرء كفارات لأيام متعددة ، فإنه يجوز له أن يدفع للمسكين الواحد من كل واحدة منها مداً أو قيمته.
وبناءً على ما تقدم فإن على هذا الشاب أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً ، ويقضي ما أفطره من رمضاناته السابقة ، وعليه -زيادة على القضاء- كفارة تأخير القضاء وهي مد يدفعه لمسكين عن كل يوم ، وليس عليه أكثر من ذلك إن لم يكن قد حصل منه جماع أثناء نهار رمضان ، فإن كان قد حصل منه فإن عليه لذلك الكفارة الكبرى -كما أسلفنا- وقد بينا أن الراجح هو أن خصالها على الترتيب ، وعلى ذلك فليس له أن ينتقل إلى الإطعام حتى يعجز عن الأوليين: العتق وصيام شهرين.
ثم إذا انتقل إلى الإطعام فليطعم عن كل يوم جامع ستين مسكيناً ، لكل مسكين مد من طعام: قمح أو شعير..
وله أن يدفع له قيمة المد نقوداً ، وطريقة معرفة قيمة المد هي أن يسأل عن ثمنه في السوق المحلية.
ولا يكرر الدفع لمسكين واحد من كفارة يوم واحد.
وإن جمع المساكين فغداهم أو عشاهم أجزأه ذلك.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني