السؤال
أنا مصابة بمرض مزمن (الروماتوويد) منذ سنوات عديدة أثر على المفاصل الأساسية لجسدي مما جعلني لا أستطيع القيام بالوضوء بطريقة صحيحة وكاملة، لا تصل يدي لمسح رأسي إلا المنطقة الأمامية من الرأس، أمسح أذنيي بيدي اليسرى أمسح الأذن الأولى ثم الثانية، وأغسل وجهي بيدي اليسرى وأسكب الماء على رجلي، أما المسح على الجوارب فلا أستطيع المسح إلا على الجورب الأيمن وبصعوبة دون الجورب الأيسر، فهل هذا الوضوء صحيح وهل يمكنني القيام بالمسح بهذه الطريقة خاصة في أيام البرد، فأفيدوني بالطريقة الصحيحة للوضوء في حالتي الصحية هذه؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك العافية ونوصيك بالصبر فإن البلاء كفارة للمسلم، ثم اعلمي أن دين الله يسر وهو مبني على التخفيف ورفع الحرج، قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، ومن هاهنا فإن من عجز عن شيء من الواجبات سقط عنه إلى بدله، فإن لم يكن له بدل سقط عنه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فأما بالنسبة لوضوئك فهو صحيح إذا فعلت أركانه على وجهها وهي النية والترتيب بين الأعضاء وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين.. وما ذكرته من أنك تقتصرين على مسح الجزء الأمامي من الرأس لعجزك عن تكميل المسح فهذا يجزئك، فمذهب الشافعي رحمه الله أن الاقتصار على مسح بعض الرأس في الوضوء مجزئ، وكذا قول أبي حنيفة إلا أنه يشترط مسح ربع الرأس، وقول الشافعي قوي في الدليل، لأن مسح بعض الرأس قد صح عن ابن عمر وعائشة ولا يُعرف لهما من الصحابة مخالف، وإن كان الأحوط استيعاب الرأس بالمسح وهو قول مالك وأحمد.
لكن هذا في حق القادر، وأما مسح أذنيك بإحدى يديك فقط فهو جائز لا حرج فيه، وإن كانت السنة مسحهما معاً، ونرجو أن تؤجري الأجر التام لأنك عاجزة عن غير ما تفعلينه، وكذا غسل وجهك بيدٍ واحدة لا حرج فيه إذا كنت تستوعبينه بالغسل، لكن عليك مراعاة الترتيب كما ذكرنا.
وأما غسل رجليك فالذي نفهمه أنك تستطيعين صب الماء عليهما واستيعابهما بالغسل، وأن الذي يعسر عليك هو المسح على الجوربين، وعليه فالذي نرى أن الواجب عليك غسل رجليك، ولا يجوز لك لبس الجوربين إذا كنت تعجزين عن مسحهما لأنك حينئذ تصلين دون طهارة غسل أو مسح مع القدرة على إحدى الطهارتين، فإذا توضأت وغسلت رجليك فلك أن تلبسي الجورب ما شئت ثم تنزعينه إذا أردت الوضوء مرة أخرى، وإذا كنت قادرة على مسح أحد الجوربين كما ذكرت وكان يمكنك أن تمسحي أقل جزء من أعلى الجورب الثاني فإن ذلك يجزئك إن شاء الله في قول الشافعي وجماعة من أهل العلم، وانظري لذلك الفتوى رقم: 107254.
وأما الاقتصار على أحدهما فلا يكفي، وإذا عجزت عن غسل ما وجب عليك غسله أو مسح ما وجب عليك مسحه ولو بالاستعانة بمن يوضئك ولو بأجرة مثله فاغسلي ما قدرت عليه وتيممي عما عجزت عنه، لقوله تعالى: ....فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ {المائدة:6}، والعاجز عن استعمال الماء في معنى غير الواجد له وهذا قول الجمهور، ويرى بعض أهل العلم أن من عجز عن تطهير بعض أعضائه لم يلزمه شيء، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والقول الأول أحوط...
قال النووي رحمه الله: إذا كانت العلة المرخصة في التيمم مانعة من استعمال الماء في جميع أعضاء الطهارة تيمم عن الجميع، فإن منعت بعضاً دون بعض غسل الممكن وتيمم عن الباقي. انتهى.
والله أعلم.