السؤال
كيف يجوز شراء الذهب بالجنيه المصري مثلاً، علما بأن رصيد الجنيه ذهب فوجب التماثل والتقابض، وكذلك شراء الفضة بالريال السعودي مثلاً، علما بأن رصيد الريال فضة فوجب التماثل والتقابض؟
كيف يجوز شراء الذهب بالجنيه المصري مثلاً، علما بأن رصيد الجنيه ذهب فوجب التماثل والتقابض، وكذلك شراء الفضة بالريال السعودي مثلاً، علما بأن رصيد الريال فضة فوجب التماثل والتقابض؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنقود الورقية كانت في بداية أمرها قابلة للتحويل حيث كان يمثلها غطاء كامل قيمتها من الذهب إلا أنه قد تلاشى هذا الأمر، وأصبح الأفراد ملزمين قانوناً بقبول التعامل بها، وصارت الدول تطبع النقود الورقية دون تغطيتها رصيداً من الذهب، وإن كانت الدول لا تسرف في طبع النقود خشية تعريض اقتصادياتها للخطر من التضخم وارتفاع الأسعار.. فالنقود الورقية ليست لها قيمة في نفسها أو لتغطيتها بالذهب، ولكن قيمتها نشأت من إلزام الحكومات للناس التعامل بها وقبولها، وترتب على ذلك أنها صارت أثماناً للأشياء.
فهذه العملات تعتبر أجناساً مختلفة عن الذهب والفضة، فيجوز شراء الذهب والفضة بأي من العملات الورقية بشرط التقابض فقط، وإذا اختلفت العملات فلا مانع من تفاضلها بشرط التقابض في المجلس، لأن كل واحد منها صنف، وفي الحديث: وإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. رواه مسلم.
جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم 10 وتاريخ 16/4/1393هـ ما ملخصه: النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر نحو ذلك الإمام مالك حيث قال: ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة. وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام.. وحيث ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزء من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاء كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلا والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية، لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية:
أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي:
أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما -نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلاً بيع الدولار الأمريكي بخمسة ريالات سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة.
ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورق بأحد عشر ريالاً سعودياً ورقاً.
ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. انتهى.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة بحث النقود للدكتور علي السالوس ضمن كتابه فقه البيع والاستيثاق والتطبيق المعاصر.. ولعل هذا القدر يكفي لما استفسرت عنه.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني