الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم تبينوا في سؤالكم من هو هذا المسئول عن الأرض؟ وهل هو معين من قبل الدولة لحفظ الأرض لأن الدولة خصصتها لمشاريع أو أمور مستقبلية؟ ولماذا يأخذ منكم المال؟
وسنجيب على سؤالكم حسب تفصيل سنذكره في الإجابة فإن كان الواقع غير ما أجبنا عنه، فبينوا مرادكم في سؤال آخر لتكون الإجابة مطابقة لواقعكم.
وبناء على ما تقدم نقول: هذه المسألة متعلقة بما يسمى عند الفقهاء بإحياء الموات، قال الشيخ الفوزان في الملخص الفقهي: والموات - بفتح الميم والواو - : هو ما لا روح فيه , والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها . ويعرفه الفقهاء - رحمهم الله - بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم .
فيخرج بهذا التعريف شيئان :
الأول: ما جرى عليه ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها .
الثاني: ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم ; كالطرق , والأفنية , ومسيل المياه , أو تعلقت به مصالح العامر من البلد ; كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي ; فكل ذلك لا يملك بالإحياء . فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه , وأحياها شخص ; ملكها. انتهى .
ففي ضوء التقييدات السابقة في تعريف الأرض التي من أحياها ملكها نقول:
إذا كانت سيطرتكم على الأراضي مسبوقة بإحيائها لها إحياء صحيحاً على وفق ما سبق بيانه، فهي ملك لكم، ولو لم يأذن لكم السلطان في إحيائها على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الجمهور. قال في كشاف القناع: (ولا يشترط إذن الإمام، وهو مذهب الجمهور) وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (إن معارضة البلدية لمن سبق إلى الأرض لا محل لها، للأدلة الكثيرة الدالة على إباحة الإحياء، والملك به، ولو بلا إذن الإمام) .
ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم :مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ. رواه مالك في الموطأ، وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ مِنْهُ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، والعافية: يعني السباع والطير.
وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء وإن اختلفوا في بعض التفصيلات، وقد بينا إحياء الموات، وضابطه، وشروطه في الفتويين رقم: 11567، 50062.
وأما عن ادعائكم وضع اليد عليها من عشر سنوات، فإن كان هذا قبل إحيائكم لها فلا يجوز ذلك؛ لأنه حينئذ كذب محرم لتحصيل حق ليس لكم، ويشترك فيه جميع المسلمين ولستم بأولى منهم في ذلك.
وأما إن ادعيتم ذلك بعد إحياء الأرض ولم تتوصلوا لإثبات حقكم فيها إلا بهذا، فلا بأس في ذلك، فإن الكذب للمصلحة الشرعية جائز كما نص على ذلك أهل العلم، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 48814.
والله أعلم .