السؤال
اشترى أبي قطعة أرض صحراوية من الحكومة ليتم توزيعها فيما بعد بيني وبين إخوتي، وقد تولى أخي الأكبر رعاية الأرض، وقد أعطاه أبي زيادة في الأرض نظير رعايته تلك. والمشكلة الآن هي أنه عندما أردت الزواج احتجت لبيع نصيبي من الأرض لأتزوج بثمنه، ولكن أخي الأكبر كان يعارض البيع فتضايقت من أسلوبه ومعارضته ففكرت أن أقول لهم إني لا أريد نصيبي من الأرض وأتركها هكذا ملعونة. وحقيقة لا أدري هل قلت لهم ذلك بلساني أم كان مجرد فكره دارت في عقلي ولكن لم أقلها. والسؤال: هل لو كنت قلتها بلساني يصير نصيبي من الأرض ملعونا ولا يجوز الاستفادة به مثلما حدث من المرأة التي لعنت دابتها فأمر الرسول ألا يقرب أحد تلك الدابة لأنها ملعونة؟ وهل الشك في أني قلت أم لم أقل ذلك بلساني يؤثر في الحكم؟ وما الحكم لو أني عملت بقاعدة أن الشك لا ينفي اليقين، وكانت الحقيقة أني قلت ذلك بلساني فهل يؤاخذني الله بعملي بقاعدة الشك لا ينفي اليقين أم يأخذني بالحقيقة التي يعلمها هو سبحانه تعالى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل الكريم رواه مسلم عن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة. وروى مسلم أيضا نحوه من حديث أبي برزة، وفيه: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة. وروى أحمد نحوه من حديث عائشة، وفيه: لا يصحبني شيء ملعون.
ولكن ليس معنى هذا أن الانتفاع بهذا الشيء الملعون لا يجوز، قَالَ اِبْن الْقَيِّم في حاشيته على سنن أبي داود: الصَّوَاب أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهَا, لِئَلَّا تَعُود لمِثْل قَوْلهَ , وَتَلْعَن مَا لَا يَسْتَحِقّ اللَّعْن, وَالْعُقُوبَة فِي الْمَال لِمَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَة بِالِاتِّفَاقِ. وَلَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَتْ بَعْد مَشْرُوعِيَّتهَا أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسْخهَا حُجَّة, وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْد اللَّه بْن حَامِد عَنْ بَعْض أَصْحَاب أَحْمَد أَنَّهُ مَنْ لَعَنْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعه زَالَ مُلْكه عَنْهُ. اهـ.
وقال النووي: واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه؛ إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها، لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة، فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان. اهـ.
وبهذا يعلم أنه لا يحرم الاستفادة من الشيء الملعون أو التصدق به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 97417. وعلى ذلك فلا حاجة لمعرفة ما إذا كنت تكلمت بذلك بلسانك أم لا.
فملكك لم يزل عن نصيبك منه، ولو كنت قد بعته فبع نصيبك وتزوج به إن شئت أو أبقه في ملكك ولا تبعه.
وأما قاعدة: اليقين لا يزول بالشك. فقاعدة صحيحة، وهي من القواعد الخمس الكلية، والعامل بها وإن أخطأ في نفس الأمر فهو معذور غير مؤاخذ.
والله أعلم.