الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب نذكر بقاعدة عظيمة لأهل العلم وهي: أن قطعي الوحي وقطعي العقل لا يتعارضان، فقطعي العقل يؤيد قطعي الوحي، ولذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل في 11 مجلداً، فإن حدث تعارض بين العقل والنقل فالقطعي منهما يقضي على الظني، وإن حدث تعارض بين ظني الوحي وظني العقل فظني الوحي مقدم، حتى يثبت العقلي أو ينهار.
أما قولك: إن الشمس ستخرج من المغرب ثلاثة أيام ثم ستعود من المشرق، فلا نعلم دليلا على ذلك. لكن الأحاديث الواردة تفيد طلوع الشمس من مغربها دون تقييد ذلك بثلاثة أيام. كما أن غاية ما ورد فيها بيان ما سيراه الناس من علامات الساعة، فطلوع الشمس من مغربها يكون بالنسبة لمن على الأرض.
وأما كيفية حدوث ذلك وسببه، فالأحاديث لم تتعرض له، سواء كان ذلك بأن تعكس الأرض اتجاه دورانها أم بغير ذلك مما يشاء الله جل وعلا.
ولم يزل الناس في كل أرجاء الدنيا يستخدمون هذا التعبير: طلوع الشمس وغروب الشمس. مع علمهم بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس؛ لأنهم يقصدون التعبير عما يشاهدونه، لا كيفية حدوث ذلك ولا سببه.
ثم ما هو التعبير المقترح عند ذلك الملحد، إن كان يريد أن نقول: إن الأرض هي التي تطلع؟ فعلى من تطلع إذن؟ هذا كلام باطل. وإن كان يريد أن يقول: إن الأرض ستعكس اتجاه دورانها أمام الشمس، فهذا بيان للسبب وليس للظاهرة المرئية.
وأما الحرب التي سألت عنها فأنت تقصد بذلك ما ورد في صحيح مسلم في الملاحم التي تسبق خروج الدجال، وفيه: فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم..."إلخ.
فهذه الحرب لم تقم بعد، ولا أحد يستطيع الجزم بما سيكون عليه حال البشرية حينئذ، فقد تزول التكنولوجيا ومعطياتها من الأسلحة المتطورة، مما يعود بالناس إلى استخدام الخيول وغيرها من الوسائل البدائية، وقد يكون استخدام الخيول في هذه المعركة لأسباب أخرى لا نعلمها الآن.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين، راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا. متفق عليه.
فالراجح من قولي العلماء أن هذا الحشر في الدنيا وليس في الآخرة، وممن رجح هذا القول الحافظ ابن حجر وابن كثير، والقرطبي، والخطابي، والقاضي عياض، والطيبي. وانظر بسط الكلام في ذلك في كتاب فتح الباري.
وأما كون الأبعرة لا يركبها أحد الآن فنقول أيضا كما قلنا في الخيول؛ إن ذلك الحشر لم يحدث بعد، ولا أحد يستطيع الجزم بما سيكون عليه حال البشرية حينئذ، فقد تزول التكنولوجيا ومعطياتها من وسائل النقل الحديثة حينئذ، مما يعود بالناس إلى استخدام الأبعرة وغيرها من الوسائل البدائية، وقد يكون ذلك لأسباب أخرى لا نعلمها الآن.
وأما قولك: كيف ستجمع النار جميع الناس، فالظاهر أن ابتداء خروج النار من قعر عدن كما في حديث مسلم: فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها، وحينئذ يقع حشرها الناس من المشرق إلى المغرب كما في صحيح البخاري. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 77433.
وأما كون الشام هي أرض المحشر، فقد يكون ذلك بمعنى ابتداء الحشر منها، أو أن يوسعها الله تعالى بحيث تسع خلق العالم، وما ذلك على الله بعزيز.
ففي صحيح مسلم في الآيات التي تكون قبل قيام الساعة يقول عليه الصلاة والسلام: وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
جاء في عون المعبود وكذا في تحفة الأحوذي: قيل: المراد من المحشر أرض الشام؛ إذ صح في الخبر أن الحشر يكون في أرض الشام، لكن الظاهر أن المراد أن يكون مبتدؤه منها، أو تجعل واسعة تسع خلق العالم فيها. قاله القاري.
وراجع الفتاوى الآتية أرقامها: 51952، 77433 ، 34313.
والله أعلم.