السؤال
والدي وهبني قطعة من الأرض منذ سنوات، بنيت عليها بيتا بعد عدة سنوات، أراد أبي الرجوع عن الهبة، ذهبت إلى أحد العلماء، أفتى لي أنه لا يجوز لوالدك الرجوع في الهبة لأنها تغيرت وفقا للمذاهب الأربعة، لكن شيخ آخر أفتى أنه يجوز لوالدي الرجوع وفقا للمذهب الشافعي. أفتونا رحمكم الله ووفقكم لرضاه أنا على كل حال سأرضي والدي كما يريد، ولكن اختلاف الفتوى بين العالمين أربكتنا أنا ووالدي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجوز رجوع الوالد فيما وهبه لولده، لما رواه أحمد وأصحاب السنن عن ابن عُمَرَ وابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
إلا أن هناك موانع للرجوع في الهبة. اختلف الفقهاء هل البناء في الأرض الموهوبة من موانع الرجوع في الهبة أم لا، فمذهب الجمهور أن البناء في الأرض الموهوبة يمنع الرجوع في الهبة، وهذا هو المذهب الذي نراه راجحاً، أما على مذهب السادة الشافعية فالبناء في الأرض ليس من موانع الرجوع.
جاء في درر الحكام: إذا حصل في الموهوب زيادة متصلة كأن كان أرضا وأحدث الموهوب له عليها بناء أو غرس فيها شجرا... لا يصح الرجوع عن الهبة حينئذ. اهـ.
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: من شرط صحة الاعتصار للهبة – يعني رجوع الوالد في هبته - أن لا تفوت من عند الموهوب له ببيع أو غصب أو عتق أو تدبير أو بزيادة أو نقص كما إذا كبر الصغير أو سمن الهزيل أو هزل الكبير أو بجعل الدنانير حليا أو بوجه من وجوه المفوتات، فإن حصل شيء من ذلك فلا اعتصار لواهبها حينئذ. اهـ.
وفي بيان مذهب الشافعية قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: ويتخير الوالد بعد رجوعه في الأرض الموهوبة وقد غرس فيها الولد أو بنى في الغرس أو البناء بين قلعه بأرش أو تملكه بقيمة، أو تبعيته بأجرة. اهـ.
فعلى مذهب الجمهور الذي نراه راجحاً لا يجوز لوالدك الرجوع في الهبة، وعلى مذهب الشافعية يجوز له الرجوع.
وإذا كنت تريد إرضاء والدك فلا حرج في أن تتنازل له عن الأرض التي وهبها إياك، والبر بالوالدين من أعظم الطاعات وأفضل القربات.
والله أعلم.