الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من دفع الزكاة لغير مستحقيها

السؤال

أعمل بمصنع وكل عام يمنحنا صاحب المصنع آخر شهر رمضان كمية من المال من زكاته. فهل يعتبر هذا جائزا؟ علما بأن أغلب العمال في حالة جيّدة و يزكون.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن للزكاة مصارف محددة قد بينها الله عز وجل بقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:60}. وقد سبق بيان هذه المصارف في فتاوى سابقة، فراجع الفتوى التالية أرقامها: 27006، 55147، 30573، فالزكاة في غير هذه المصارف التي عينها الله عز وجل لا تجزئ، فلا يجوز لصاحب هذا المصنع أن يعطي الزكاة إلا لمن يعلم أو يغلب على ظنه أنه مستحق للزكاة، ولا يجوز لمن علم أن هذا المال مال زكاة وهو غير مستحق أن يقبله، لأنه حق الفقراء والمساكين، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {النساء: 29}. وهل يجب على هذا الرجل إخراج تلك الزكوات التي دفعها إلى غير مستحقيها إن كان يظن أنهم يستحقون ثم ثبت خلاف ذلك؟ في ذلك قولان للعلماء: قال ابن قدامة رحمه الله: واذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهذا قول الحسن و أبي عبيد و أبي حنيفة، لأن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى الرجلين الجلدين وقال: إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، وقال للرجل الذي سأله الصدقة: إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك، ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم، وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فأتي فقيل له أما صدقتك فقد قبلت لعل الغني أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله. متفق عليه.

والرواية الثانية لا يجزئه لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة كديون الآدميين، وهذا قول الثوري و الحسن بن صالح و أبي يوسف و ابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين.انتهى.

والرواية الثانية هي الأحوط بلا شك، ولهذا الرجل أن يرجع بما دفعه إلى غير المستحقين إذا أخذوه عالمين أنه زكاة، لأنهم أخذوه بغير وجه حق، قال المرداوي في الإنصاف: فعلى هذه الرواية: يرجع على الغني بها إن كانت باقية، وإن كانت تلفت رجع بقيمتها يوم تلفها إذا علم أنها زكاة رواية واحدة، ذكره القاضي وغيره.

وقال الشيرازي في المهذب: وإن كان الذي دفع إليه رب المال فإن لم يبين عند الدفع أنه زكاة واجبة لم يكن له أن يرجع لأنه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع، فإذا ادعى الزكاة كان متهما فلم يقبل قوله ويخالف الإمام فإن الظاهر من حاله أنه لا يدفع إلا الزكاة فثبت له الرجوع، وإن كان قد بين أنها زكاة رجع فيها إن كانت باقية وفي بدلها إن كانت فائتة.

ونحب أن نختم بالنصيحة لكم ولعموم المسلمين، بأن على أصحاب الأموال أن يتقوا الله عز وجل ويتحروا وضعها في مصارفها، وعلى الآخذين أن يتقوا الله تعالى وألا يأخذ أحد منهم ما لا يحل له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني