السؤال
ما حكم الذين لم تبلغهم الرسالة حين تطلع الشمس من مغربها ؟ هل باب التوبة يغلق لمن كان كافرا لعدم علمه بالإسلام إذا أراد أن يسلم بعد ما طلعت الشمس من مغربها و بعد ما بلغه أن ذلك من علامات الساعة عند المسلمين مثلا ؟
ما حكم الذين لم تبلغهم الرسالة حين تطلع الشمس من مغربها ؟ هل باب التوبة يغلق لمن كان كافرا لعدم علمه بالإسلام إذا أراد أن يسلم بعد ما طلعت الشمس من مغربها و بعد ما بلغه أن ذلك من علامات الساعة عند المسلمين مثلا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
أما من لم تبلغه دعوة الإسلام ثم مات فقد بينا حكمه بالتفصيل في الفتويين: 3191، 121195فراجعهما.
وأما طلوع الشمس من مغربها فهو من علامات الساعة الكبرى كما ثبت في القرآن والسنة الصحيحة، ومن آمن بعد طلوع الشمس من مغربها فإيمانه غير صحيح، ولا ينفعه هذا الإيمان كما قال سبحانه: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً. {الأنعام: 158}.
وقد ثبت في السنة الصحيحة تفسير هذه الآيات بأنها طلوع الشمس من مغربها، ففي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ: حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا.
قال الحافظ ابن حجر: قَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَى الْآيَة: لَا يَنْفَع كَافِرًا لَمْ يَكُنْ آمَنَ قَبْلَ الطُّلُوعِ إِيمَانٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَا يَنْفَع مُؤْمِنًا لَمْ يَكُنْ عَمِلَ صَالِحًا قَبْلَ الطُّلُوعِ عَمَلٌ صَالِحٌ بَعْد الطُّلُوع لِأَنَّ حُكْم الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالِح حِينَئِذٍ حُكْم مَنْ آمَنَ أَوْ عَمِلَ عِنْد الْغَرْغَرَة وَذَلِكَ لَا يُفِيد شَيْئًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا. وَكَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغَرْغَرَةَ.
وَقَالَ اِبْنِ عَطِيَّة : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبَعْضِ فِي قَوْله تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك. طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمُغْرِب وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُور ... قَالَ اِبْنِ عَطِيَّة وَغَيْره مَا حَاصِله: مَعْنَى الْآيَة أَنَّ الْكَافِر لَا يَنْفَعهُ إِيمَانه بَعْد طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمُغْرِب وَكَذَلِكَ الْعَاصِي لَا تَنْفَعهُ تَوْبَته وَمَنْ لَمْ يَعْمَل صَالِحًا مِنْ قَبْل وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يَنْفَعهُ الْعَمَل بَعْد طُلُوعهَا مِنْ الْمُغْرِب .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الْمَعْنَى لَا تَنْفَع تَوْبَة بَعْد ذَلِكَ بَلْ يُخْتَم عَلَى عَمَل كُلّ أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا . وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اِبْتِدَاء قِيَام السَّاعَة بِتَغَيُّرِ الْعَالِم الْعَلَوِيّ فَإِذَا شُوهِدَ ذَلِكَ حَصَلَ الْإِيمَان الضَّرُورِيّ بِالْمُعَايَنَةِ وَارْتَفَعَ الْإِيمَان بِالْغَيْبِ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ عِنْد الْغَرْغَرَة وَهُوَ لَا يَنْفَع فَالْمُشَاهَدَة لِطُلُوعِ الشَّمْس مِنْ الْمُغْرِب مِثْله. انتهى من فتح الباري .
وكذلك دل على عدم قبول التوبة من الكافر وغيره بعد طلوع الشمس من مغربها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
قال النووي في شرح الحديث: قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا حَدٌّ لِقَبُولِ التَّوْبَة, وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: إِنَّ لِلتَّوْبَةِ بَابًا مَفْتُوحًا, فَلَا تَزَال مَقْبُولَة حَتَّى يُغْلَق, فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا أُغْلِقَ, وَامْتَنَعَتْ التَّوْبَة عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ قَبْل ذَلِكَ, وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: يَوْم يَأْتِي بَعْض آيَات رَبّك لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانهَا خَيْرًا. انتهى من شرح صحيح مسلم للنووي.
فدلت الآيات والأحاديث على أن الشمس إذا طلعت من مغربها لا تقبل التوبة من أحد من الكفار.
قال ابن كثير: إذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك، فإن كان مصلحًا في عمله فهو بخير عظيم، وإن كان مخَلِّطًا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته. انتهى من تفسير ابن كثير. والله أعلم.
وراجع للفائدة الفتويين التاليتين: 5051، 33782.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني