الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الاستنثار في الوضوء واجب أو مستحب

السؤال

في صحيح مسلم الاستنشاق 3 مرات عند الاستيقاظ من النوم لأن الشيطان يبيت على الخياشيم. ماذا عن من يغسل في الوضوء مرة واحدة كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: توضأ مرة أو اثنين أو ثلاث. هل وضوؤه وصلاته صحيحين؟ أي هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ أي ماذا عن من ينام ويقوم للصلاة يغسل أعضاء الوضوء مرة واحدة فقط. هل تصح صلاته على الرغم من استنشاقه مرة واحدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث المشار إليه ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه.

وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الاستنثار مأمور به ولو في غير الوضوء فهو سنة مستقلة لا تعلق له بالوضوء، وهو ما رجحه العلامة العثيمين في شرحه على بلوغ المرام، ولكن ورد تقييد هذا الأمر بالوضوء في رواية للبخاري فتحمل عليها الرواية المطلقة كما قال الصنعاني وعبارته: في رواية للبخاري: إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان.. الحديث. فيقيد الأمر المطلق به هنا بإرادة الوضوء ويقيد النوم بمنام الليل كما يفيده لفظ يبيت إذ البيتوتة فيه. انتهى.

ثم إن الجمهور قد حملوا الأمر الوارد في هذا الحديث على الندب والاستحباب، فلا يبطل وضوء من استنثر مرة ولا مرتين، بل لا يبطل وضوء من ترك الاستنثار أصلا وإن كان تاركا لسنة مؤكدة مفوتا على نفسه فضلا عظيما.

قال الصنعاني في سبل السلام: والحديث من أدلة القائلين بوجوب الاستنثار دون المضمضة وهو مذهب أحمد وجماعة، وقال الجمهور لا يجب بل الأمر للندب واستدلوا بقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم للأعرابي: توضأ كما أمرك الله. وعين له ذلك في قوله: لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين. كما أخرجه أبو داود من حديث رفاعة. ولأنه قد ثبت من روايات صفة وضوئه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من حديث عبد الله بن زيد وعثمان وابن عمرو بن العاص عدم ذكرهما مع استيفاء صفة وضوئه وثبت ذكرهما أيضا وذلك من أدلة الندب. انتهى.

وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ: وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل فقهي فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عطاء وثبت عنه أنه رجع عن الإعادة. انتهى.

وبهذا تعلم رجحان مذهب الجمهور من أن الأمر في هذا الحديث محمول على الاستحباب، وفي معنى كون الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان يقول القاري في مرقاة المفاتيح: وحق الأدب في الكلمات النبوية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأمثاله بشيء فإن الله سبحانه قد خصه بغرائب المعاني وحقائق الأشياء ما يقصر عنه باع غيره، وروى النووي عن القاضي عياض تحتمل بيتوتة الشيطان أن تكون حقيقة فإن الأنف أحد المنافذ إلى القلب وليس عليه ولا على الاذنين غلق، وفي الحديث: إن الشيطان لا يفتح الغلق. وجاء الأمر بكظم الفم في التثاؤب من أجل دخول الشيطان في الفم، ويحتمل أن تكون على الإستعارة فإنه إنما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشياطين كذا نقله الطيبي. انتهى ما قال القاري رحمه الله.

ورأيناه أنه لا حاجة للتأويل، وينبغي أن يحمل الحديث على ظاهره وليس ثمة ما يمنع ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني