الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو يزيد المرء عزا وكرامة

السؤال

أنا فتاة عقد قراني منذ 3 أشهر، أسكن مع أخي وزوجته ـ التي تزوج بها حديثا ـ حيث إنني أعمل معه كسكرتيرة في معمل للخياطة، ومشكلتي مع زوجته التي تخاصمنا متى شاءت وتصالحنا متى شاءت، حيث لم أكن أكترث لهذا الخصام ودائما كنت أبادر أنا بمصالحتها بعدما كنت أبحث لها عن أعذار.
ولكن هذه المرة كان تجاهلها لي متعمدا، إضافة إلى أنني أكلمها في بعض الأحيان فلا تجيبني مما جعلني أقسم أن لا أصالحها.
وهي لم تكترث لخصامنا بينما أنا ضميري يعذبني، وأفكر في أن الله لا يحب الخصام وأنا لم يسبق لي أن خاصمت شخصا أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام وأحاول أن أكون طيبة ومتواضعة مع كل الناس، وبصراحة أحس أن ليس لي أي قيمة لكوني أنا من يصالح كل من يخاصمني، إضافة إلى الاحترام فإني أحترم الناس كثيرا لكن بالمقابل أحب أن يحترمني الناس، وهذا هو المشكل مع زوجة أخي فهي لا تحترمني لولا أن أخي يحبني أنا وأخواتي لأساءت معاملتنا، ولكنها تخاف منه ولا يمكنها أن تصدر أي رد فعل سيء في حضوره، والأسوأ من هذا أن الخصام دائم الآن أكثر من شهر ووصل بها الحال أنها تصافح وتسلم على عائلتي في حضوري وتتجاهلني، أما أنا فأفضل أن لا أصافح الجميع حتى لا أصافحها، وإن اضطررت لأن أصافح فلن أتردد في مصافحتها، لقد تعقدت الأمور بيننا وزوجي يرفض أن أعود إليها وأخي الأكبر يرفض كذلك إذ يرون طريقة معاملتها وعدم احترامها لي، ليس بذاك المعنى السيء، ولكن يرون عدم اكتراثها لي، ويقولون لي إنني أذل نفسي، علما أن مستواها التعليمي ابتدائي ولا تفقه في الدين شيئا، وتصلي، لأن أخي يأمرها بذالك وكونه يكره من لا يصلي وتغطي الرأس في الشارع فقط، أما في المنزل فلا ترتديه ـ سواء مع رجال نصارى أو رجال من العائلة ـ وكل شيء لديها عادي وأخي ينصحها فقط ولا يضغط عليها، بل يحدثها ويترك لها الاختيار.
وضحت لكم مشكلتي فأرجو أن لا تبخلوا علي بالنصح فأنا في أشد الحاجة إلى من يراعي ظروفي ويوجهني التوجيه الصحيح شرط أن أحافظ على كرامتي.
جزاكم الله عنا كل خير لما تقدموه لنا من نصح وإرشاد.
وأرجو أن تعلموني قليلا كيف أجعل بعض الناس يحترمونني؟ لأن تواضعي في بعض الأحيان لا ينجح مع بعض الناس، وهل قلة الكلام تجلب الاحترام؟ خصوصا وأنني أحب أن أتحدث مع كل الناس وكثيرة التبسم.
هل أنا مذنبة لكوني لم أصالح زوجة أخي؟.
وما معنى الحديث الذي يقول: المؤمن كيس وفطن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أنّ من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا. {الإسراء:53}.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتباغض، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.

صحيح مسلم.

فإذا كانت مقاطعتك لزوجة أخيك لغير سبب شرعي، فلا تجوز المقاطعة فوق ثلاثة أيام، مع التنبيه على أنّ القطيعة تزول عند الجمهور بمجرد السلام.

أمّا إذا كانت مقاطعتك لها بسبب وقوعها في المعاصي كتبرجها أمام الرجال الأجانب فهي مقاطعة مشروعة، لكن عليك أن تناصحيها فيما تقع فيه من مخالفات شرعية، وتبيني لها أنّ هجرك لها بسبب تلك المخالفات، وإذا رأيت أنّ ترك مقاطعتها أصلح لها وأقرب إلى قبولها لنصحك فهو أولى وأعظم لأجرك، ولا مانع في هذه الحال من إحسان معاملتها ومبادرتها بالكلام الطّيب ولو كان ذلك تكلفاً.

قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها وتعوّد القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. إحياء علوم الدين.

كما أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت:34}.

وإياك أن يغرك الشيطان ويصور لك أن العفو نوع من الضعف وأنه يطمع فيك الناس، فالصحيح أن العفو يزيدك عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.

كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النور:22}.

واعلمي أنّ قطع الطمع فيما عند الناس والحرص على مرضاة الله وحده، من أعظم أسباب كسب احترام الناس.

أمّا حديث: المؤمن كيس فطن.

فهو حديث ضعيف لا يثبت، كما بيناه في الفتوى رقم: 52524.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني