السؤال
أثناء دراستي سكنت مع بعض البنات اللاتي يدن بالديانة الدرزية وحصل نقاش بيننا حول ما يدعون عن تناسخ الأرواح، فادعوا أنها حقائق موجودة على أرض الواقع يشاهدونها لدى الكثير من الأطفال والكبار الذين يتذكرون حياتهم السابقة بتفاصيلها كالمسكن والأولاد والزوج وكيفية الموت، وإحداهن كانت تقول إنها في صغرها كانت تتحدث بلهجة لبنانيه وتتذكر حياتها السابقة في إحدى الضيعات اللبنانية كما أن خالتها تتذكر حياتها السابقة وتكره أهل بلدة معينة لما سببوه لها من أذى في حياتها السابقة وأن هناك طفلا تذكر أولاده وبيته وذهب ليحضر أفراحهم ويحدثهم عن حياتهم دون أن تكون بينهم معرفة سابقة، وعند بحثي على صفحات الإنترنت رأيت من يربطون بين هذا الأمر وبين العدالة الإلهية حيث إن الروح تنتقل لجسد آخر وتمر بظروف اجتماعية ومادية مختلفة فتتساوى فيما بينها في نيل الفرص وفي امتحان الدنيا، حيث إنها تكون مرت ـ مجملا ـ بنفس الظروف في عدة أجساد تنقلت بينها.
وأنا مسلمة سنية ـ على المذهب الشافعي والحمد لله ـ ويهمني معرفة رأي أهل السنة في هذا الأمر والدلائل الخاصة بذلك من القرآن والسنة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر ابن حزم في الفصل في الملل: فِرَق القائلين بتناسخ الأرواح ثم قال: وهذه ـ كما ترى ـ دعاوى وخرافات بلا دليل.
أما الفرقة المرتسمة باسم الإسلام: فيكفي من الرد عليهم إجماع جميع أهل الإسلام على تكفيرهم، وعلى أن من قال بقولهم، فإنه على غير الإسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بغير هذا، وبما المسلمون مجمعون عليه من أن الجزاء لا يقع إلا بعد فراق الأجساد للأرواح ثم اجتماعهما في الآخرة ليستقرا معا بالجنة أو النار.
وأما الفرقة الثانية القائلة بالدهر: فإننا نقول ـ وبالله التوفيق: إنه يكفي من فساد قولهم هذا أنه دعوى بلا برهان ـ لا عقلي ولاحسي ـ وما كان هكذا فهو باطل بيقين لا شك فيه، لكننا لا نقنع بهذا، بل نبين عليهم بيانا لائحا ضروريا ـ بحول الله تعالى وقوته ـ فنقول: وبالله تعالى نستعين ـ إن الله تعالى خلق الأنواع والأجناس ورتب الأنواع تحت الأجناس وفصل كل نوع من النوع الآخر بفصله الخاص له الذي لا يشاركه فيه غيره، وهذه الفصول المذكورة لأنواع الحيوان، إنما هي لأنفسها التي هي أرواحها، فنفس الإنسان حية ناطقة، ونفس الحيوان حية غير ناطقة، هذا هو طبيعة كل نفس وجوهرها الذي لا يمكن استحالته عنه، فلا سبيل إلى أن يصير غير الناطق ناطقا ولا الناطق غير الناطق، ولو جاز هذا لبطلت المشاهدات وما أوجبه الحس وبديهة العقل والضرورة، لانقسام الأشياء على حدودها.
وأما الفرقة الثالثة التي قالت: إن الأرواح تنتقل إلى أجساد نوعها، فيبطل قولهم ـ بحول الله تعالى وقوته ـ بطلانا ضروريا بكل ما كتبناه في إثبات حدوث العالم ووجوب الابتداء له والنهاية من أوله، وبما كتبناه في إثبات النبوة: أن جميع النبوات وردت بخلاف قولهم، وببرهان ضروري عليهم وهو أنه ليس في العالم كله شيئان يشتبهان بجميع أعراضها اشتباها تاما من كل وجه، يعلم هذا من تدبر اختلاف الصور واختلاف الهيئات وتباين الأخلاق، وإنما يقال: هذا الشيء يشبه هذا على معنى أن ذلك في أكثر أحوالهما لا في كلها، ولو لم يكن ما قلنا ما فرق أحد بينهما البتة، وقد علمنا بالمشاهدة أن كل من يتكرر عليه ذلك الشيئان تكررا كثيرا متصلا أنه لا بد أن يفصل بينهما وأن يميز أحدهما من الثاني، وأن يجد في كل واحد منهما أشياء بان بها عن الآخر لا يشبهه فيها، فصح بهذا أنه لا سبيل إلى وجود شخصين يتفقان في أخلاقهما كلها حتى لا يكون بينهما فرق في شيء منها، وقد علمنا بيقين أن الأخلاق محمولة في النفس فصح بهذا أن نفس كل ذي نفس من الأجساد ـ من أي نوع كانت ـ غير النفس التي في غيره من الأجساد كلها ضرورة. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أن عقيدة التناسخ عقيدة كفرية باطلة قائمة على تكذيب الله ورسله، وذكرنا بعض من أوجه بطلانها.
كما نبهنا على أنه لا يصح الخوض في نقاش وجدل حول مسائل العقائد مع أهل الزيغ والضلال، إلا بعد التمكن والرسوخ في هذه المسائل، فراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 17986، 36533، 13149.
والله أعلم.