السؤال
تزوجت منذ 2 -3 سنوات ولله الحمد، وأنا مغترب بإحدى دول الخليج، ومنذ أن تزوجت وإلى الآن تنشب بيننا الخلافات وتستمر حياتنا يومين عسل والباقي على أسوأ ما يكون وفي الآخر تبين أنها مسحورة، استعملنا الرقية الشرعية بالشرائط وبواسطة أحد المشايخ وأعطانا أورادا يومية للتحصين، ولله الحمد الأمور سارت إلى الأحسن ولكن أحيانا تنتابها مشاعر بالكره الشديد نحوي دون أي سبب بالرغم من مداومتها على الورد. فما هو السبب مادام أنها مستمرة بالورد والتحصين اليومي؟ وماذا أفعل فأحيانا لا أدري من أخاطب أو من الشخص الذي معي أهي زوجتي أم شخص آخر. أرجوكم أرجوكم ماذا أفعل وما هي أنجع الحلول؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسحر من تعليم الشيطان وكيده، وأغلب ما يكون للتفريق بين الزوجين، ولا يضر إلا بإذن الله تعالى، كما قال سبحانه: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ .. {البقرة: 102}.
وإذا عرف هذا عرف يسر الشفاء منه، فقد وصف الله كيد الشيطان فقال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا. {النساء: 76}. ولكن هذا الضعف يكون بحسب إيمان العبد بالله تعالى وصدق توكله عليه وحسن ظنه به، كما قال سبحانه: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ . {النحل:99، 100}.
قال السعدي: الشيطان { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } أي: تسلط { عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ } وحده لا شريك له { يَتَوَكَّلُونَ } فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان ولا يبقي له عليهم سبيل { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ } أي: تسلطه { عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } أي: يجعلونه لهم وليا، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا وقادهم إلى النار قَوْدًا. اهـ.
ولذلك فأول ما ينبغي التوجه إليه لمن ابتلي بشيء من ذلك هو الاستقامة على أمر الله تعالى ظاهرا وباطنا، بالتوبة النصوح، والاجتهاد في طاعة الله تعالى، وعمارة القلب بمعاني العبودية، من المحبة والخوف والرجاء والإنابة والتوكل ونحو ذلك، فإذا قويت معاني الإيمان في القلب ودخل العبد في سلك العبودية الصادقة لله تعالى، صار له نصيب من قوله عز وجل: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا.{الإسراء: 65}. ومثل هذا إن سأل الله أعطاه، وإن دعاه أجابه فشفاه وعافاه، وهذا هو السبيل الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم عندما ابتلي بالسحر، ألا وهو اللجوء إلى الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء والإلحاح فيه، ففي الصحيحين عن عائشة قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا، ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته .
قال النووي: هذا دليل لاستحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله. اهـ.
وبذلك نوصي السائل الكريم أن يحسن الظن بالله ويصدق في الاستعانة به والتوكل عليه والثقة فيه، فهذا سبيل الأنبياء، ومن قرأ سيرهم استبان له ذلك، فقد كانوا يفزعون إذا فزعوا لله تعالى، يسألونه فيعطيهم، ويدعونه فيجيبهم، كما قال سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * {الأنبياء:83، 84}
.. وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ * وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ * {الأنبياء:87-90}.
وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. رواه أحمد والترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وصححه الألباني.
ولابد أن يكون ذلك بيقين وثقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. رواه الترمذي وأحمد. وحسنه الألباني.
فكل دعوة يدعو بها المسلم موقنا حاضر القلب، فهي مجابة إن شاء الله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، طالما أنه لا يوجد مانع من موانع الإجابة كأكل الحرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد سبق بيان شروط إجابة الدعاء وموانعه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11571، 8331 ، 71758، 23599، 32655.
والمقصود أن أفضل طرق علاج السحر أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه، بتوكله على الله وحسن الظن به، وصدق اللجوء إليه، وكثرة الصلاة والتلاوة والذكر والدعاء واستعمال الرقية الشرعية، وغير ذلك من وسائل علاج السحر، التي سبق بيانها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3273، 5252، 5433، 116797.
والله أعلم.