السؤال
هناك كلمة دارجة بيننا وهي: مثلا عندما أشتري أغراضا أريها أمي وأقول لها حتى تتبارك، أو مثلا: ندعو أحدا للجلوس معنا فنقول له اجلس حتى تتبارك جلستنا، مع أنني ـ شخصيا ـ لا أؤمن بهذا في قلبي، بل أؤمن أن الله هو الذي ينزل البركة، ولكن نفسي تراودني بأن هذا شرك وأنني خرجت من الملة، لأنني اعتقدت أن هناك من ينزل البركة غير الله، مع أنني لا أعتقد ذلك، ولكنها كلمة تخرج عفوية بسبب كثرة ما نسمعها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة أن التبرك بالمخلوق قسمان:
أحدهما: التبرك بالمخلوق ـ من قبر أو شجر أو حجر أو إنسان حي أو ميت ـ يعتقد فاعل ذلك حصول البركة من ذلك المخلوق المتبرك به، أو أنه يقربه إلى الله سبحانه ويشفع له عنده، كفعل المشركين الأولين، فهذا يعتبر شركا أكبر من جنس عمل المشركين مع أصنامهم وأوثانهم، وهو الذي ورد فيه حديث أبي واقد الليثي في تعليق المشركين أسلحتهم على الشجرة، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك شركا أكبر من المعلقين، وشبه قول من طلب ذلك منه بقول بني إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ.
القسم الثاني: التبرك بالمخلوق اعتقادا أن التبرك به قربة إلى الله يثيب عليها، لا لأنه يضر أو ينفع ـ كتبرك الجهال بكسوة الكعبة، وبالتمسح بجدران الكعبة ومقام إبراهيم والحجرة النبوية وأعمدة المسجد الحرام والمسجد النبوي ـ رجاء البركة من الله، فإن هذا التبرك يعتبر بدعة، ووسيلة إلى الشرك الأكبر، إلا ما خصه الدليل ـ كالشرب من ماء زمزم والتبرك بعرق النبي صلى الله عليه وسلم وشعره وما مس جسده وفضل وضوئه صلوات الله وسلامه عليه ـ فإن هذا لا بأس به، لقيام الدليل عليه. هـ.
وبهذا يتبين أن ما تسأل عنه السائلة ليس من الشرك، فإنها تخبر عن نفسها بأنها تؤمن أن الله هو الذي ينزل البركة، وأن ذلك ليس لغير الله تعالى.
والظاهر أن السائلة الكريمة تعاني من الوسوسة، فعليها أن تطرح هذه الأفكار ولا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، فإن الوسوسة مرض شديد، فعلى المسلم أن لايفتح بابه على نفسه بالتعمق في مثل هذه الأمور، بل ينبغي الإعراض عن ذلك وعدم الالتفات إليه، وقد سبق لنا بيان هذا وبيان سبل التغلب على الوسوسة، فراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 122926، 94055، 102297، 51601.
وأما حكم مثل هذه الكلمة الواردة في السؤال، نحو قول المرء لصاحبه: اجلس حتى تتبارك جلستنا ـ فينبغي التحرز من مثل هذه الكلمات، كما ينبغي تحرير القائل لمقصوده منها: فهل مراده التبرك بذاته؟ فهذا لا يجوز، أو مراده التبرك بدعاء أخيه المسلم وما قد يترتب على جلسته من أعمال صالحة ـ كذكر الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ـ فهذا مشروع من حيث الجملة.
وقد سبق لنا بيان المشروع وغير المشروع من أنواع التبرك، في الفتوى رقم: 15830، وذكرنا فيها أنه مما لا يشرع التبرك به: ذوات العلماء والأولياء، فضلا عن غيرهم من عموم المسلمين.
والله أعلم.