السؤال
عمري 34 عامًا، المشكلة التي تؤلمني أنني إلى اليوم لم أعتمر، كلما أعزم وأنوي الذهاب للعمرة أتهاون وأتكاسل. فما الحل؟
عمري 34 عامًا، المشكلة التي تؤلمني أنني إلى اليوم لم أعتمر، كلما أعزم وأنوي الذهاب للعمرة أتهاون وأتكاسل. فما الحل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالراجح من قولي العلماء وهو مذهب جمهورهم أن العمرة واجبة على كل مسلم حر مستطيع في العمر مرة، وانظر الفتوى: 28369.
ومن وجبت عليه العمرة وجبت عليه المبادرة بها، فإن وجوبها على الفور، فمن أخر خشي عليه الإثم بتأخيره، فعليك أيها الأخ الكريم أن تستحضر أنك مقصر في واجب من واجبات الشرع مع قدرتك عليه، وهذا يعرضك لسخط الله تعالى وغضبه، وغضب الله تعالى لا يقوم له شيء، والآجال مغيبة، والنفس قد يخرج ولا يعود، فاحذر أن تلقى ربك مضيعًا لهذا الواجب، فلو استحضرت هذا المعنى كان كافيًا في أن تبادر من فورك إلى العمرة، فكيف إذا استحضرت مع ذلك ما للعمرة من الفضل العظيم والثواب الجسيم، فالحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والمتابعة بين الحج والعمرة تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد. وكل هذا ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يفرط في هذا الثواب إلا محروم، ولو استحضرت مع ذلك ما للبيت العتيق من الحرمة، وما له عند الله تعالى من المنزلة، وأن مكة أحب البلاد إلى الله تعالى وإلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- لطارت نفسك شوقاً لزيارة هذا البيت العتيق الذي جعله الله تعالى مهوى قلوب المسلمين، إجابة لدعوة الخليل: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
وشاهد هذا أن المسلمين من أرجاء الدنيا على بعد المسافة، وقلة ذات اليد، يحرصون كل الحرص على أن تكتحل عيونهم بمشاهدة الكعبة المشرفة، ويتشرفوا بزيارتها، ولو أنفقوا في سبيل ذلك ما ملكته أيديهم.
واستمع إلى هذه العبارات النفيسة لابن القيم -رحمه الله-: وقد ظهر سرُّ هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة، وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلدِ الأمين، فجذبُه للقلوب أعظمُ من جذب المغناطيس للحديد، فهو الأولى بقول القائل:
مَحَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ وَمَغْنَاطِيسُ أفْئدَةِ الرِّجَالِ
ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابةٌ للناس، أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يَقضون منه وطراً، بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقًا.
لاَ يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُها حَتَّى يَعُود إلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقاً
فلله كم لها مِن قتيل وسليبٍ وجريح، وكم أُنفِقَ في حبها من الأموال والأرواح، وَرَضِيَ المحب بمفارقةِ فِلَذِ الأكباد والأهل، والأحباب والأوطان، مقدِّماً بين يديه أنواع المخاوف والمتالف، والمعاطب والمشاق، وهو يستلذ ذلك كله ويستطيبه، ويراه -لو ظهر سلطان المحبة في قلبه- أطيب من نعم المتحلية وترفهم ولذاتهم.
وَلَيْسَ مُحِباً مَنْ يَعُدُّ شَقَاءَه ... عَذَاباً إذَا مَا كَانَ يَرضَى حبيبُه وهذا كله سر إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله: وطهر بيتي [الحج : 26]، فاقتضت هذه الإضافة الخاصة من هذا الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته. انتهى.
ولا نظنك -يا أيها الأخ الكريم- بعد ما سمعت هذا وقرأته إلا مبادرًا لنيل هذا الشرف العظيم، وأن تكون من وفد الله تعالى الذين دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم، وإنما تحتاج إلى عزيمة صادقة ونية خالصة، نسأل الله أن يرزقنا وإياك إخلاصًا وصدقاً.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني