السؤال
إذا أراد الشخص أن يصلي بعد فراغه من سنة العشاء، هل الأفضل أن ينوي الوتر لجميع الركعات التي يصليها، نظرا إلى أن الوتر أفضل من التطوع المطلق، أو هل ينوي التهجد أو قيام الليل لبعض الركعات وينوي الوتر لبعضها أو الأخيرة منها؟
إذا أراد الشخص أن يصلي بعد فراغه من سنة العشاء، هل الأفضل أن ينوي الوتر لجميع الركعات التي يصليها، نظرا إلى أن الوتر أفضل من التطوع المطلق، أو هل ينوي التهجد أو قيام الليل لبعض الركعات وينوي الوتر لبعضها أو الأخيرة منها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في مسمى الوتر هل هو الركعة الواحدة التي تكون في آخر صلاته، أو هو مجموع ما يصليه من أشفاع مختومة بهذه الركعة.
وبناء على معرفة هذا الخلاف يظهر ما ينبغي على المصلي أن ينويه بالركعات التي يتطوع بها قبل الوتر، هل ينوي بها الوتر أو ينوي بها التطوع المطلق أو ينوي غير ذلك، وقد فصل الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه على البخاري هذه المسألة وبين مذاهب العلماء فيها، ونحن نسوق طرفا من كلامه لما فيه من التحرير النفيس، قال عليه الرحمة: وقول النبي ( في حديث ابن عمر: ( صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة ، توتر له ما قد صلى ) يدل على أن هذه الركعة الواحدة جعلت مجموع ما صلى قبلها وتراً، فيكون الوتر هو مجموع صلاة الليل الذي يختم بوتر. وهذا قول إسحاق بن راهويه واستدل بقول النبي:( أوتروا يا أهل القرآن)، وإنما أراد صلاة الليل. وقالت طائفة: الوتر هو الركعة الأخيرة، وما قبله فليس منه. وهو قول طائفة من أصحابنا، منهم: الخرقي وأبو بكر وابن أبي موسى . وفي كلام أحمد ما يدلُّ عليه. ومن أصحابنا من قال : الجميع وتر. وقد تقدم عن المالكية ، أن ما قبل الوتر هو شفع له. وقاله بعض أصحابنا - أيضا. وقد ذكر أبو عمرو بن الصلاح: أن أصحاب الشافعي اختلفوا في ذلك على أوجه:
أحدها: أن من أوتر بثلاث ينوي بالركعتين مقدمة الوتر، وبالأخيرة الوتر - : قاله أبو محمد الجويني.
والثاني : أنه ينوي بالركعتين سنة الوتر وبالثالثة الوتر- : حكاه الروياني .
قال : وفي هذين الوجهين تخصيص للوتر بالركعة الأخيرة ، والثاني يشعر بأن للوتر سنة ، ولا عهد لنا بسنة لها سنة هي صلاة.
وفي الوجهين أن الركعتين قبل الوتر لهما تعلق بالوتر.
والثالث: أن ينوي بما قبل الركعة الأخيرة التهجد أو قيام الليل، وفي هذا قطع لذلك عن الوتر.
قال: وما اتفقت عليه هذه الوجوه من تخصيص الوتر بالركعة المفردة على وفق قول الشافعي في رواية البويطي - : الوتر ركعة واحدة . وقال الماوردي: لا يختلف قول الشافعي : أن الوتر ركعة واحدة .
ويشهد للوجه الثالث حديث ابن عمر: ( صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشيت الصبح ، فأوتر بواحدة )
. والرابع : أنه ينوي بالجميع الوتر - : قاله القاضي أبو الطيب الطبري ، واختاره الروياني .
ويشهد له : قول الشيخ أبي إسحاق وغيره : أقل الوتر ركعة ، وأكثره إحدى عشرة ركعة . وفي بعض كلام الشافعي إيماء إليه .
قال : وهو المختار ؛ لأن فيهِ جمعا بين الأحاديث كلها؛ إذ الواحدة الأصل في الإيتار، وبها يصير ما قبلها وتراً. انتهى.
وينبغي أن تعلم أنه لا تعارض بين نية قيام الليل ونية الوتر، أو بين نية التهجد ونية الوتر، فإن الوتر من قيام الليل بلا شك، فلو ظهرت لك قوة القول بأن الوتر هو مجموع هذه الركعات فنويت بهذه الركعات الوتر لم يكن ذلك منافيا لكونه قيام ليل أو تهجدا، قال ابن رجب: وفي (شرح المهذب ): الصحيح المنصوص - يعني : عن الشافعي في ( الأم ) و( المختصر ) - : أن الوتر يسمى تهجداً. انتهى
وظاهر كلام ابن القيم رحمه الله أن الوتر هو اسم للركعة الواحدة أو للثلاث الموصولة أو الخمس أو السبع الموصولة، وأما ما قبلها من أشفاع فلا يسمى وترا، وعليه فإن المصلي لا ينوي بهذه الركعات الأشفاع التي يفعلها قبل الوتر أنها وتر، وإنما ينوي بها قيام الليل أو التهجد، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع والتسع المتصلة كالمغرب اسم للثلاث المتصلة فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى الصبح أوتر بواحدة توتر له ما صلى. انتهى
وفي دليل الفالحين لابن علان الشافعي: وعن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً. فيسن جعله الأقل منه والأكمل بعد صلاة الليل التي يريد فعلها فيه من راتبة أو تراويح أو تهجد أو نفل مطلق، وكأن حكمة ذلك أن الوتر أفضل من هذه الصلوات الليلية، فندب وقوعه عقبها ليختم عمله بالأفضل فتعود عليه بركته ويحوز نفعه. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني