السؤال
هناك أحاديث تصف الله بأنه يضحك وينزل للأرض، ويحاول النهوض من عرشه لغضبه على عاق والديه والملائكة تتمسك بقوائم العرش أي ربما ترجوه أن لا ينهض. والحديث الذي يثير الدهشة أن لله رجلا يضعها في النار وآخر أشد دهشة أن الله وضع يده بين ثديي النبي صلى الله عليه وسلم حتى شعر ببردهما، وآخر أن الملك يضرب الغيوم بالسوط فيصدر صوت الرعد. أنا مسلم وأحمد الله كثيرا على نعمته وإن جسمي ليقشعر خشوعا لربي لهذه النعمة وأنا سعيد لأن ديني أقرب الأديان إلى العقل، ولكن هذه الأحاديث – لا أدري مدى صحتها- تشعرني بالإحباط فنحن ننتقد أصحاب الأديان الأخرى لأنهم يشبهون الله بالبشر - والعياذ بالله- وسمعت أن تفسير علمائنا لمثل هذه الأحاديث استواء على العرش يليق بجلاله, نزول يليق بجلاله. طيب هذا مفهوم إلى حد ما ولكن ماذا عن حديث وضع يد الله على صدر النبي ؟!! أرجوكم طمئنوني فانا أؤمن بالله ورسوله إن صحت هذه الأحاديث أم لا ولكن مثل هذه الأحاديث تجعل الملحدين يسخرون بديننا وربما قادت المثقفين إلى الإلحاد لأنهم يعتمدون على عقولهم وذكائهم قبل كل شيء, وشكرا وبارك الله فيكم ورزقكم الفردوس الأعلى.
وأخيرا أرجوكم أن تدعو لي الله أن يبعد عني هذه الافكار ويثبت قلبي على دينه (( يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وارزق العاملين على موقع إسلام ويب الفردوس الأعلى واحشرني معهم مع المصطفى(ص) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين )).
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جمع الله تعالى لأهل السنة من المسلمين المحاسن كلها، فهم بفضل الله تعالى يثبتون ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات ولا يتعدون ذلك، وهم مع ذلك ينزهونه سبحانه عن مشابهة أو مماثلة شيء من خلقه. فجمعوا بين إثبات معاني الصفات على ما يليق بجلال الله عز وجل، وبين تفويض علم كيفيتها وكنهها له سبحانه وتبارك وتعالى. وهذا هو مقتضى الإيمان والاستسلام لنصوص الوحي.
فقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. {الشورى: 11}.
فجمع بين نفي المماثلة وإثبات الأسماء المستلزمة لصفات الكمال والجلال.
ولا تختلف صفات الفعل عن صفات الذات من هذه الحيثية، فكل من عند ربنا، فكما نثبت لله عز وجل السمع والبصر من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كذلك نثبت له استواءً على العرش، ونزولا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، واليد والقدم والضحك، وكل ذلك على ما يليق بجلاله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وذلك لكون هذه الصفات جاءت بها النصوص الشرعية من الكتاب أو السنة، ولولا ذلك لما أثبتناها.
فإذا تبين هذا لم يعد لتهمة التشبيه محل، بل قد صرح أهل السنة بكفر من شبه الله بخلقه، كما قال شيخ البخاري نعيم بن حماد الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله نفسه ورسوله تشبيهاً. اهـ. وراجع في بيان ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 50216 ، 48689 ، 19144.
ثم اعلم أخي الكريم أن ما ذكرته من الصفات المنسوبة لله تعالى منها ما يصح كالضحك والاستواء والنزول والقدم، وشأنها قد سبق بيانه، ويمكن أن ترجع في تفصيل الكلام حولها للفتاوى ذوات الأرقام التالية: 58758، 74007 ، 35614 ، 35614 ، 120182، 39292 ، 63758 ، 125166.
ومنها ما لا يصح، كقولك: (يحاول النهوض من عرشه لغضبه على عاق والديه والملائكة تتمسك بقوائم العرش ..) !!.
ومنها ما يصح، ولكنه لا يأتى عليه الإشكال أصلا، كقولك (إن الله وضع يده بين ثديي النبي صلى الله عليه وسلم) فإن ذلك كان مجرد رؤيا منامية رآها النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 8271 ، 52031 ، 118551.
ومنها ما لا يتعلق بالله أصلا، كقولك: (إن الملك يضرب الغيوم بالسوط فيصدر صوت) وقد سبق إيراد هذا الحديث وبيان صحته وشرح معناه، فراجع الفتوى رقم: 51894.
وأخيرا ننبه السائل على أنه لا يمكن أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح إلا في ذهن المرء، لا في واقع الأمر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (درء تعارض العقل والنقل): لا يجوز أن يتعارض العقل الصريح والسمع الصحيح، وإنما يظن تعارضهما من غلط في مدلولهما أو مدلول أحدهما ... والسمع الصحيح هو القول الصادق من المعصوم الذي لا يجوز أن يكون في خبره كذب لا عمدا ولا خطأ، والمعقول الصحيح هو ما كان ثابتا أو منتفيا في نفس الأمر، لا بحسب إدراك شخص معين، وما كان ثابتا أو منتفيا في نفس الأمر لا يجوز أن يخبر عنه الصادق بنقيض ذلك، بل من شهد الكائنات على ما هي عليه وجدها مطابقة لخبر الصادق، كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. (فصلت 53). فأخبر أنه سيريهم من الآيات العيانية المشهودة لهم ما يبين لهم أن القرآن حق. اهـ.
وراجع لمعرفة قيمة العقل البشري ودوره، الفتويين: 69219 ، 39932 .
والله أعلم.