السؤال
كنت ملتزما بهذا الدين وأصلي، لكني انقلبت أتتني وساوس وشكوك في هذا الدين مع هذه الوساوس أحس بأني لست بمؤمن، أصبحت أشك بعض الشيء، ولكن مع رغم ذلك أحببت أن أبقى على صلاتي والحفاظ على الوضوء، وزاد الشك أكثر عندما قرأت هذا الحديث: لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن. وأنا من داخلي أحس بأني لست مؤمنا. فأرجو أن تفسروا لي الحديث بشكل أوضح ليزول عني الشك هل المخاطب ب(لا يحافظ) هم المسلمون، أم كافة الناس الكافرين والمسلمين؟ هل المخاطب يكون في كل الأحاديث هم المسلمون أم كافة الناس؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن هناك فرقا بين الشك وبين الوسوسة، فالوسوسة هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان. وأما الشك فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه. ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك. وقد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا، ولكنه ليس شكا، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها. وأما من تابع الوسوسة وتكلم بها ونشرها ووصل معها لدرجة الشك التي تزعزع أركان اليقين وتخالف التوحيد، فذاك الذي يخشى على إيمانه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 120582، 59192، 7950.
وأما حديث: "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" فقد سبق لنا بيان أن ظاهر المراد به: المحافظة على الوضوء دائما بحيث يجدد الوضوء كلما أحدث ولو لم يكن في وقت صلاة، وراجع في ذلك الفتويين: 36321 ، 98201. وممن ذكر ذلك: العراقي في (طرح التثريب) والمباركفوري في (مرعاة المفاتيح).
وهناك قول آخر ذكره السندي في حاشيته على ابن ماجه فقال: أي في أوقاته، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" حين قالوا له: ألا نأتيك بوضوء. وقد خرج من الخلاء وقرب إليه الطعام. رواه أصحاب السنن وغيرهم اهـ.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المراد بالوضوء هنا طهارة الظاهر والباطن، وأن المؤمن هنا هو الكامل الإيمان.
قال المناوي في (فيض القدير): "يحافظ على الوضوء" الظاهري والباطني "إلا مؤمن" كامل الإيمان، فالظاهري ظاهر، والباطني طهارة السر عن الأغيار والمحافظة على المجاهدة التي يكون بها تارة غالبا وتارة مغلوبا .. اهـ.
وأشار المناوي في موضع آخر إلى معنى ثالث، وهو إسباغ الوضوء واستيفاء سننه وآدابه، فقال: "يحافظ على الوضوء" بإسباغه وإدامته واستيفاء سننه وآدابه "إلا مؤمن" كامل الإيمان اهـ.
وأما العلاقة بين المحافظة على الوضوء وحصول الإيمان، فهي ظاهرة؛ فإن الوضوء من العبادات الخفية التي لا يحسنها ويحافظ عليها إلا من يؤمن بالله واليوم الآخر، فيراقب الله ويحتسب الأجر عنده ويعمل لآخرته، خاصة مع وجود المكاره كالبرد مثلا.
قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): الوضوء من خصال الإيمان الخفية التي لا يحافظ عليها إلا مؤمن، كما في هذا الحديث هـ.
وقال الباجي في (المنتقى): يريد ـ والله أعلم ـ أنه لا يديم فعله بالمكاره وغيرها منافق، ولا يواظب على ذلك إلا مؤمن اهـ.
وقال المباركفوري في (مرعاة المفاتيح): "إلا مؤمن" أي كامل في إيمانه، فإن الظاهر عنوان الباطن، فطهارة الظاهر دليل على طهارة الباطن، سيما الوضوء على المكاره. والمراد بالمؤمن الجنس هـ. ونحوه في حاشية السندي على ابن ماجه.
ولذلك فإنا نقول للسائل: إن كنت تحافظ على الوضوء بهذه المعاني السابقة، فهذا دليل على إيمانك، وأن ما تشكو منه لا يعدو الوسوسة، التي ردها والنفور منها هو صريح الإيمان. وقد سبق لنا الكلام عن الوسوسة في أمور الاعتقاد والإيمان في فتاوى عديدة، مع بيان كيفية علاجها، فراجع على سبيل المثال، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 17066 ، 2081 ، 12400، 28751 ، 37959 ، 76732.
والله أعلم.