الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خلع القاضي دون رضا الزوج

السؤال

موقعكم الكريم تفضل وقال إن الخلع ليس من الضروري موافقة الزوج فيه، ممكن طيب أحد يرى أستاذ الفقه المقارن الذي أثبت بإثباتات عديدة أن الخلع لا يقع بدون موافقة الزوج.وحجة الذين يرون إيقاع الخلع جبراً على الزوج، أن الرسول صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الحديث - أمر ثابت بن قيس أن يقبل المهر الذي قدمه لزوجته وهو البستان الذي جعله لها مهراً، وأن يطلقها طلقة، في قوله صلى الله عليه وسلم: " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ".
فادعوا أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" يفيد الوجوب، مع أن كبار شراح الحديث يبينون صراحة أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس هو أمر إرشاد واستصلاح وليس أمر على سبيل الوجوب. يقول ابن حجر العسقلاني، وهو من أشهر علماء الحديث والفقه وأكابرهم في كتابه: فتح الباري بشرح صحيح البخاري عند شرحه لهذا الحديث: " هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب " ويقول الكرماني وهو أيضاً من أشهر شراح الحديث بعد ذكره لحديث ثابت بن قيس: " والأمر في طلاقها أمر إرشاد واستصلاح لا أمر إيجاب وإلزام ".
ونجد أبا بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، وهو من كبار المفسرين وأهل الفقه يقول في كتابه " أحكام القرآن ": " ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جوازه ( أي الخلع ) دون السلطان، وكتاب الله يوجب جوازه، وهو قوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به)
وقال تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فأباح الأخذ منها بتراضيها من غير سلطان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس أتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم فقال للزوج: خذها وفارقها يدل على ذلك أيضاً، لأنه لو كان الخلع إلى السلطان شاء الزوجان أو أبيا إذا علم أنهما لا يقيمان حدود الله لم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا خاطب الزوج بقوله: اخلعها، بل كان يخلعها منه، ويرد عليه حديقته وإن أبيا، أو واحد منهما، كما لما كانت فرقة المتلاعنين إلى الحاكم لم يقل للملاعن: خل سبيلها، بل فرق بينهما، كما روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، كما قال في حديث آخر، لا سبيل لك عليها، ولم يرجع ذلك إلى الزوج، فثبت بذلك جواز الخلع دون السلطان ".
فمن هذا الكلام للإمام الجصاص - وهو أحد أشهر كبار مفسري القرآن، وكبار الفقهاء يبين بصريح العبارة أنه لا يجوز للحاكم أن يفرض الخلع على أحد الزوجين أو كليهما، فلا يجوز أن يفرض جبراً لا على المرأة ولا على الرجل، بل لا بد فيه من الرضا الحقيقي الكامل من الطرفين وبين هذا المفسر الكبير أنه لو كان من حق الحاكم أن يفرض الخلع على الزوجين أو أحدهما لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ثابت بن قيس: أتردين عليه حديقته؟ ولما طلب من الزوج أن يخالعها، بل كان صلى الله عليه وسلم هو الذي يخلعها من زوجها فيطلقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يخلعها من زوجها فيطلقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانب كونه رسولاً كان حاكماً وقاضياً، فلو كان من حق القاضي أن يخلع الزوجة جبراً على الزوجين أو أحدهما لطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ورد على الزوج المهر الذي كان قد دفعه إلى زوجته وهو الحديقة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المتلاعنين الذين تلاعنا أمامه، فقد فرق عليه الصلاة والسلام بينهما، ولم يأخذ فيها رأي الزوجين، لأن الفرقة بين المتلاعنين لا يؤخذ فيها رأي الزوجين لا المرأة ولا الرجل، وإنما التفريق بينهما من اختصاص الحاكم وحده ولهذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لاعن من زوجته: خل سبيلها، بل قام هو عليه الصلاة والسلام بالتفريق بين المتلاعنين.
وقال للزوج: لا سبيل لك عليها، أي لا علاقة زوجية بينكما الآن، ولم يجعل أمر الفرقة بين المتلاعنين راجعاً إلى إرادة الزوج.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس صحيحاً أننا نقول بأنّ الخلع لا يشترط له موافقة الزوج، وإنما الذي في الفتاوى أنّ الأصل ألا يتم الخلع إلا بموافقة الزوجين، لكن في حال تضرر الزوجة من البقاء مع زوجها وامتناع الزوج من مخالعتها يجوز حينئذ للقاضي أن يحكم بالخلع ولو لم يرض الزوج، وانظر في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 105875 ، 126259.

وهذه المسألة مختلف فيها بين العلماء و أكثرهم على عدم جواز خلع القاضي دون رضا الزوج وبعضهم يقول بجواز ذلك، وهو الذي رجحّه الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين (رحمهما الله).

قال الشيخ ابن باز: مثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه ، إذا دفعت إليه جهازه ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه ، وسمحت برد حديقته إليه : « اقبل الحديقة وطلقها تطليقة » (2) . رواه البخاري في صحيحه ، ولأن بقاءها في عصمته ، والحال ما ذكر يسبب عليها أضرارا كثيرة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا ضرر ولا ضرار » (1) ، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولا ريب أن بقاء مثل هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها ، وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة وجب على الحاكم فسخها من عصمته ، إذا طلبت ذلك وردت عليه جهازه للحديثين السابقين وللمعنى الذي جاءت به الشريعة واستقر من قواعدها. اهـ من مجموع فتاوى ابن باز.

وقال الشيخ ابن عثيمين: لو أننا ما تمكنا من الجمع بين الزوجين بأي حال من الأحوال، فأبى أن يطلق، وأبت هي أن تبقى عنده، فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الخلع حينئذ بشرط أن ترد عليه المهر كاملاً، ذهب إلى هذا بعض علماء الحنابلة، وشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ يقول عنه تلميذه ابن مفلح: إن شيخنا اختلف كلامه في هذه الصورة، هل يجب الخلع أو لا؟ مع أن بعض علماء الحنابلة صرح بوجوب الخلع والإلزام به، واستدلوا بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لثابت ـ رضي الله عنه ـ: «خذ الحديقة وطلقها» ، وقالوا: الأمر للوجوب؛ ولأنه لا سبيل إلى فك هذا النزاع والشقاق إلا بهذا الطريق، وفك النزاع والشقاق بين المسلمين أمر واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنه لا مضرة عليه، فماله قد جاءه، وبقاؤهما هكذا، هي معلقة لا يمكن أن تتزوج، وهو كذلك غير موفق في هذا النكاح لا ينبغي.. اهـ من الشرح الممتع على زاد المستقنع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني