السؤال
كنت في السابق أعمل في مطعم صيني، وكانت مهمتي الأساسية أخذ طلبات الزبائن عبر الهاتف، وكانت بعض الأطباق تحتوي على لحوم خنزير إلا أني لم أكن أدرك حينها أن هذا العمل حرام لأني أساعد في الإثم، وكنت قد كسبت مبلغا من المال. ثم تركت العمل هناك وبعد أن علمت بأن هذا العمل كان حراما تصدقت بالمال الذي تبقى عندي، حيث كنت قد صرفت معظمه على أشياء اشتريتها لنفسي.
وسؤالي الآن هو: هل يجوز لي بيع بعض الأشياء التي اشتريتها بذلك المال والانتفاع بثمنه أم أن هذا المال سيكون حراما علي ؟ ثم إن كان جائزا فهل يجوز لي استخدام هذا المال لبداية مشروع جديد لكسب بعض المال؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر السائلة ونهنئها على توبتها وحرصها على معرفة ما يحرم عليها مما يحل لها، ثم إنه لا شك أن العمل في هذه المطاعم يحرم إذا كان فيه مباشرة لعمل محرم كبيع الخنزير والخمر ونحوهما أو الإعانة على تناولهما لعموم قوله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. {المائدة: 2}.
ولكنا قد قدمنا في الفتوى رقم: 2292. أن من كان جاهلا بالحكم الشرعي أثناء عمله فإن المرتب الذي تقاضاه لا حرج عليه فيه إن تاب، فإن الله تعالى يقول في حق المال المكتسب من الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. {البقرة :275}.
وبهذا يعلم أنه يجوز لك التصرف في المشتريات التي اشتريت بما تشاء من بيع واستثمار أو غير ذلك.
بل إن بعض العلماء يرى أن التوبة الصادقة تكفي لمن أخذ مالا بكسب ليس فيه اعتداء على شخص معروف، وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك فقال : والتوبة كالإسلام، فإن الذي قال: الإسلام يهدم ما كان قبله هو الذي قال: التوبة تهدم ما كان قبلها، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص. رواه أحمد ومسلم، فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي والحسنات يذهبن السيئات، ولأن في عدم العفو تنفيرا عن الدخول، لما يلزم الداخل فيه من الآصار والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي فهذا المعنى موجود في التوبة عن الجهل والظلم، فإن الاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفي عدم العفو تنفير عظيم عن التوبة وآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة على ظاهر قوله: يبدل الله سيئاتهم حسنات، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلا.
وقال : من لم يلتزم أداء الواجب وإن لم يكن كافرا في الباطن ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة، فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي، وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال، أمن حلال أم من حرام، ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك، فهو في جاهلية، إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه، فإن أوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات، وأمره برد جميع ما اكتسبه من الأموال، والخروج عما يحبه من الأبضاع صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه، فإن توبته من الكفر رحمة وتوبته وهو مسلم عذاب. اهـ.
والأورع هوالتخلص منه في شيء من أوجه الخير والبر، وسبيل التخلص من المال الحاصل من هذا الكسب المختلط بين الاعانة على الخنزير وغيره مما يباح هو أن يُقدر التائب هذا المال الحرام تقديراً بالاجتهاد ـ إن لم يمكن معرفته على التحديد ـ ويخرجه في مصالح المسلمين بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام، كما قال النووي رحمه الله في شرح المهذب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية: 18275، 31434، 44435
والله أعلم.