الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنتحر يهرب من شقاء الدنيا إلى شقاء الآخرة

السؤال

عندما كنت في العشرين من عمري بدأت الصلاة وداومت عليها ـ ولله الحمد ـ لكنني في نفس الوقت أصبت بالوساوس القهري، وأسمع صوتا بداخلي أو وساوس ـ أستغفر الله العظيم الكريم ألف مرة ـ يسب الذات الإلهية ولم أكن أعرف ما هو هذا الشيء، ولم أكن أعرف أنه مرض، وكنت أظن أنني الوحيدة المصابة بهذا الوسواس وكنت أتمنى الموت، أو أظن ـ بما أنني لست في دولة تقيم الحدود ـ أن علي قتل نفسي، لكنني، علمت فيما بعد أنه مرض، وأنه يسمى الوسواس القهري، وأن هناك الكثير غيري مصاب به وأنهم يتمنون الموت أيضا، وأن فكرة الانتحار من الشيطان، وسمعت البعض يقول إنه عندما يقترب الإنسان من ربه ويعرف الطريق الصحيح يصاب به، فقلت في نفسي بما أنني لم أكن أصلي وقد داومت على الصلاة أصبت به، ثم بقيت سنة أو أكثر وشفيت منه، ولكنه رجع إلي من جديد وبشكل أكبر من الأول فأردت أن أذهب إلى الطبيب، لكن زوجي لم يفهم حقيقة المرض، وقال إن الأدوية النفسية ستمرضني أكثر ولن تنفعني، ولكن علي أن أداوم على قراءة القرآن وسوف أشفى، مع أنه لا يفهم ما هو مرض الوسواس القهري، فأنا مصابة بإحباط شديد واكتئاب وبالرهاب الاجتماعي والكثير من الأمراض النفسية، لكنني أستطيع التعايش معها، ولم أرزق بأطفال بعد، وكانت قد بقيت عندي أختي الصغيرة من أبي شهرا تقريبا وتعلقت بها، لأنها تناديني ماما، فهل يكون هذا هو السبب لعودة المرض؟.
وهل المرضى بهذا المرض يدخلون النار؟ وهل يتجاوز الله سبحانه وتعالى عني؟ والذي زاد الحالة علي أنني سمعت الشيخ المنجد ـ الذي تعرفونه ـ يقول إن رأس الكفر بهذا، فهل نكون قد خرجنا من الملة؟ أم أننا أسوء من الكفار؟ وعمري 29سنة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالوسوسة شأنها كحديث النفس الذي يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز لهذه الأمة عن ذلك ما لم تعمل به أو تتكلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي في الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.

قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. هـ.

وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. هـ. وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.

وعليه، فإنا ننصحك بالإعراض عن هذه الوساوس جملة وتفصيلا، فإن الاسترسال معها باب لتمكنها ورسوخها في القلب, ثم عليك بالاستعانة بالله سبحانه ودعائه أن يصرف عنك كيد الشيطان، فإن فعلت ذلك لن يضرك هذا بإذن الله, ولا يلحقك من ذلك إثم، بل إن مجاهدة هذه الخواطر وبغضها باب من أبواب الأجر والاستزادة من الحسنات.

واعلمي أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وكثيرا ما يوسوس الشيطان للإنسان أنه هو الحل لما يعانيه من مشكلات، وهذا وهم كبير، فإنه وإن كان صاحبه سيهرب به من شقاء الدنيا، فإنه سينتقل إلى الشقاء الأعظم في نار الجحيم ـ والعياذ بالله ـ ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 10397.

ولا مانع من مراجعة الأطباء النفسيين من أهل الديانة والتقوى، فقد تكون هناك أسباب عضوية وراء هذه الوساوس وغيرها من الرهاب والاكتئاب ونحو ذلك، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بالشبكة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني