الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأجر على قدر البلاء والنَصَب

السؤال

قست عليَّ الحياة، فعملت، واجتهدت كثيرًا، ولكني في نهاية المطاف مات قلبي من الحزن على الحال الذي وصلت إليه من نقص في الأموال، وعدم الفرحة بالأبناء، من مع أنهم موجودون، ولكني غير راضية عن أحوالهم، دعوت الله كثيراً جداً، ولي قلب محب للناس أجمعين، ونية كصفاء لبن الحليب. فلماذا هذا الحال معي؟ ولماذا الدنيا في عينيَّ أصبحت مظلمة كل هذا الظلام؟
ويكفي أن أخبركم أنني منذ أكثر من 15 سنة لم أفرح، وأعيش حياة حزينة لدرجة أكثر من التي تتصورونها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فنسأل الله أن يبدلك بالحزن سعادة دائمة، وبالفقر غناً بلا طغيان، وبالبلاء عافية بلا كفران، واعلمي أيتها الأخت الكريمة أنّ الدنيا دار ابتلاء وامتحان، لا تصفو من الأكدار، قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140].

فهذا مصاب بكثرة الأوجاع والأسقام، وهذا مبتلى بنقص المال والأولاد، إلى غير ذلك من الآلام، وعلى المسلم أن يعلم أن الابتلاء سنة الحياة، وأنه يكون بالسراء كما يكون بالضراء، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35].

وكم من الناس لما ابتلي بالمرض رجع إلى الله وتضرع بين يديه، ولما رزقه الله الصحة، تنكر لمولاه العظيم رب السموات والأرض، وأقبل على المعاصي والسيئات.

والمؤمن الذي يعلم أن الدنيا دار زوال، وأنه منتقل منها، وأن الدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، المؤمن الذي يعلم أن الدنيا غرارة مكارة لا يحزن على ما فاته منها، لأنها ليست داره ولا قراره، ودار المؤمن وقراره هي جنات النعيم في صحبة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وفي رضى الرب الرحيم.

ولا يحصل على السعادة إلاّ المؤمن بالقضاء والقدر الذي يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.

وعلى الإنسان أن يتذكر نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعد، وأن ما أصيب به من البلاء في مقابل ما أسبغ الله عليه من النعماء لا يساوي شيئاً يذكر، فكم من الناس يتضجر ويتسخط للفقر الذي نزل به، أو المرض الذي ألمَّ به، وينسى حين ذاك أنه غارق في نعم الله عليه، فهو يتمتع بنعمة الحياة، ونعمة البصر، وإلاَّ لكان أعمى يقاد في الطرقات لا يهتدي سبيلاً، ونعمة السمع وإلا لكان أصم يتحدث الناس بجواره ولا يعقل ما يقولون، ونعمة العقل وإلا لكان مجنوناً يقذره الأقربون، ويلعب به الأطفال، ونعمة اللسان وإلا لكان أبكم لا يفصح عما يريد، ونعمة الهواء والماء والطعام والمسكن والأولاد وكل شيء حوله، وصدق الله إذ يقول: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20].

فإذا تذكر الإنسان هذه النعم هان عليه الخطب، وسهل عليه ما يجد من البلاء.

وعليك -أيتها الأخت- أن تطرقي باب الكريم -سبحانه- في كل وقت وحين، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

وجاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود.

وعليك بالدعاء الذي يذهب الهموم والغموم وهو: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم، لا إله إلا الله الحليم الكريم. متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون عليه السلام إذ هو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. رواه أحمد.

وتذكري أن الذي يكشف البلوى هو الله فاعتصمي به، وتوكلي عليه، قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:84].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني