السؤال
أنا إنسان ما تركت معصية إلا فعلتها، لدرجة أني أهملت الصلاة لسنوات، للأسف سرقت وزنيت واغتبت وأكلت حقوق ناس وكذبت. ربي فقط يعلم كم أنا مذنب أريد أن أتوب لكن علي حقوق تجاه ربي أولا أنا نذرت ولم أوف، وحلفت مئات المرات بأن لا أفعل أشياء وفعلتها، ولدي حقوق مالية اختلستها من أشخاص وثقوا في بكل أسف.
أعرف من شروط التوبة أن أرجع لكل ذي حقه حقه، كيف أرجع حقوق الناس؟ ماذا أقول لهم؟ هل يجوز أن أرجعها بحيث أن أعطيهم مالا كعطية وأنا بنيتي أن أرجع هذا المال. وكيف أعرف وأحسب عدد المرات التي حلفت ونذرت بها؟ أخبرني يا أخي شخص مثلي هل يستحق التوبة أساسا؟ أرشدني أرجوك لا أريد تفويت هذا الشهر الفضيل أريد أن أتوب وأبدأ حياتي بعيدا عن كل هذه المعاصي أرجوك.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فباب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، فعليك بارك الله فيك أن تقبل على ربك تائبا، واعلم أن ذنبك مهما كان عظيما فإن رحمة الله تعالى أوسع وعفو الله تعالى أعظم.
وقد قال عز وجل مرغبا في التوبة:قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
وأما توبتك من الحقوق التي لله تعالى فيكفي فيها الإقلاع عن هذه الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها، والندم على فعلها، وأما ما يتعلق بحقوق العباد من سرقة أو غصب أو أكل للمال بالباطل فلا بد من رد الحقوق إلى أصحابها، ولا تصح التوبة إلا بذلك، ولا يلزمك أن تعرفهم أن هذا مال أخذته منهم بغير وجه حق، وإنما يكفيك أن ترد المال إليهم بأي طريق، فلو دفعت إليه المال وأخبرته أن شخصا أرسله إليه أو تحيلت بأي حيلة لإيصال الحق إليه كفاك ذلك إن شاء الله.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: يجب على من عنده مظالم للناس إذا تاب إلى الله أن يرد المظالم إلى أهلها فلو سرق إنسان من شخص سرقة وتاب إلى الله، فلا بد أن يرد السرقة إلى صاحبها، وإلا لم تصح توبته، ولعل قائلا يقول: مشكلة إن رددتها إلى صاحبها أفتضح، وربما يقول صاحبها إن السرقة أكثر من ذلك، فيقال يستطيع أن يتحيل على هذا بأن يكتب مثلا كتابا ولا يذكر اسمه ويرسله إلى صاحب السرقة مع السرقة أي مع المسروق أو قيمته إن تعذر ويقول في الكتاب هذه لك من شخص اعتدى فيها وتاب إلى الله ومن يتقي الله يجعل له مخرجا. انتهى.
وأما ما تركته من صلوات فعليك أن تقضيه حسب طاقتك عند أكثر العلماء، ويرى بعض العلماء أن القضاء لا يلزمك، وانظر الفتوى رقم: 128781.
وأما الأيمان التي حلفتها ولا تعرف عددها، فالأولى أن تتحرى وتخرج الكفارة عن جميع ما حنثت فيه من الأيمان، ويكفيك في ذلك غلبة الظن، ويرى الحنابلة أنه تكفيك في ذلك كفارة يمين واحدة لجميع هذه الأيمان التي لم تكفر عنها.
قال البهوتي في الروض: (ومن لزمته أيمان قبل التكفير، موجبها واحد) ولو على أفعال كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت والله لا أخذت (فعليه كفارة واحدة لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت كالحدود من جنس. انتهى
وأما النذور التي نذرتها فوفاؤك بها واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. فعليك أن تتحرى عدد هذه النذور ونوعها وما أمكنك الوفاء به منها فعليك المبادرة بالوفاء به، ويكفيك في ذلك غلبة الظن بحصول براءة ذمتك كما قدمنا، وما حنثت فيه أو عجزت عن الوفاء به فكفر عنه عن كل نذر كفارة يمين، ونسأل الله لنا ولك توبة نصوحا، وأن يوفقنا وإياك لما فيه رضاه.
والله أعلم.