الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تجوز زراعة شجرة القنب الهندي (الكيف)، لما فيه من توفير المحرم الضار لمن يستخدمه في الحرام، لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. { المائدة: 2}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
وقد روى الحاكم من حديث بُريدة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي، أو نصراني، أو ممن يتخذه خمراً، فقد تقحم النار على بصيرة. ورواه الطبراني والبيهقي عن ابن أبي خيثمة، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وروى ابن بطة: أن قَيِّماً لسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره، فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر.
ولأن مضار هذه الشجرة معلوم على الإنسان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
ويستثنى من ذلك زراعتها لاستخدامها في أغراض طبية كالتخدير المستخدم في العمليات الجراحية.
وقد نقل الشيخ عبد الرحمن الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة: اتفاق الأئمة على تحريم زراعة الحشيشة، والخشخاش لاستخراج المادة المخدرة منها لتعاطيها، أو الاتجار فيها.
وننصحكم بمحاولة إقناع الوالدين بالابتعاد عن هذه الزراعة والا ستعانة بمن يمكنه التأثير عليهما ومواصلة تذكيرهما بالله وبآياته وأحكامه وأيامه، وتحذيرهما شؤم المعصية ومغبّة المخالفة، مع الحرص على أن يكون كلامك معهما بالرفق واللين لا تشوبه شائبة عنف ولا غلظة، فحق الأبوين عظيم، بل هو أعظم الحقوق على الإطلاق بعد حق الله ورسوله، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
ومما يساعد على هذا أن تذكرهما بأن الله قد تكفل لهما وللأولاد برزقهم، فقد قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا. { هود: 6 }. وقال تعالى: وكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ. {العنكبوت: 60 }. وقال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ. { الأنعام: 151}.
وذكرهما بأن قضاء الحاجة يحصل بتقوى الله وطاعته، لا بمعصيته، ومن ترك الحرام عوضه الله خيرا مما ترك، وقد شرع الله التسبب والبحث عن الرزق وحرم الوسائل المحرمة في تحصيله، وإذا حرم شيئا حرم ثمنه، فقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. {البقرة: 189 }.
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2،3 }. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4 }.
وفي الحديث: ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني والأرناؤوط.
وفي سنن أبي داود ومسند أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه. وصححه الألباني.
وعليكم بالتحفظ من الأكل من طعامهما إن تؤكد أنه من ثمن الكسب المحرم، فإن من يعتمد على الكسب من المخدرات يعتبر حائزاً للمال الحرام، وحائز المال الحرام فيه تفصيل، فإن كان كل ماله من الحرام، فإنه يحرم أخذ أي شيء منه، أو الأكل عنده، وكذا الحال إذا علم أن طعامه قد اشتراه بعين الحرام، وإن كان أكثر ماله من الحرام فقد اختلف أهل العلم في الأكل عنده بين المنع والكراهة الشديدة، ومنهم من منع ذلك ـ ولو قل المال ـ وراجع في تفصيل أحكام حائز المال الحرام الفتوى رقم: 6880.
وإذا كان الأولاد مضطرين إلى تناول الطعام والشراب الذي يشتريه والدهم بالمال الحرام، فإنه يجوز لهم تناوله للضرورة حتى يستغنوا عنه بكسب، أو مال حلال.
والله أعلم.