السؤال
أنا شاب اعتدت على النظر إلى الحرام ـ والعياذ بالله ـ فكان ذلك يثير غرائزي فيدفعني لأعمال قبيحة وتبت من ذلك، ولكن بعد التوبة أمسك بجهاز الحاسوب لأذاكر فمللت وبدأت أفكر أن أفعل كما كنت سابقا فبدأت أكتب في محرك البحث ما أريد أن أراه من صور خليعة ووجدت الكثير من الخيارات وأخذت أفكر أن أدخل بضغطة على الفأرة فقط، ولكن بعد تفكير طويل خرجت ـ والحمد لله ـ لم أر شيئا، فهل ذنبي مثل لو كنت رأيت هذه الصور أم أخف؟ وما الذي يعينني على التوبة؟.
أرجوكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيحرم على المسلم نظر الصور الإباحية، لما في ذلك من تعدي حدود الله وانتهاك حرماته هذا فضلا عما قد يصحب الدخول على هذه المواقع من الاستمناء المحرم الذي يؤدي بالإنسان إلى الأمراض القلبية والبدنية، فقد أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، لأن ذلك طريق إلى طهارة قلوبهم ونقاء نفوسهم، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النــور:30}.
قال الإمام القرطبي: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعْمَرُ طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضُّه واجب عن جميع المحرّمات وكلّ ما يخشى الفتنة من أجله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوسَ على الطُّرُقات ـ فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدّث فيها، فقال: فإذا أبَيْتُم إلا المجلس فأعطُوا الطريقَ حقّه ـ قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غَضُّ البصر وكفّ الأذى وردُّ السلام والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر. رواه أبو سعيد الخُدْريّ، خرّجه البخاريّ ومسلم.
وأما عما صدر منك أخيرا: فإن مجرد العزم على نظر الصور الخليعة يعتبر سيئة، ولكنها لا تساوي ما لو كنت نظرت الصور المحرمة فعلا، بل أخف منها ـ كما قال النووي ـ ثم إن تركك له إن كان من أجل البعد عما يسخط الله فإنه يكتب لك بذلك الأجر، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.
وقال الإمام النووي ـ يرحمه الله: قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه: عَامَّة السَّلَف وَأَهْل الْعِلْم مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْر لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى الْمُؤَاخَذَة بِأَعْمَالِ الْقُلُوب، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْعَزْم يُكْتَب سَيِّئَة وَلَيْسَتْ السَّيِّئَة الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْر خَوْف اللَّه تَعَالَى وَالْإِنَابَة، لَكِنَّ نَفْس الْإِصْرَار وَالْعَزْم مَعْصِيَة فَتُكْتَب مَعْصِيَة، فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَة ثَانِيَة، فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَة لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَة، كَمَا فِي الْحَدِيث: إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ ـ فَصَارَ تَرْكه لَهَا لِخَوْفِ اللَّه تَعَالَى وَمُجَاهَدَته نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانه هَوَاهُ.
وإننا لننصحك بصدق التوبة والعزم على عدم العودة إلى هذه أبدا وبادر بالزواج امتثالا للحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم. ولمعرفة الوسائل المعينة على التوبة وغض البصر، راجع الفتاوى التالية أرقامها: 18768، 19561، 26549، 21807، 1984.
والله أعلم.