السؤال
السادة الكرام بموقع إسلام ويب أطلب منكم التكرم مشكورين بالجواب على سؤالي الآتي:
عندي أخت قطرية داعية وصالحة عمرها 34 سنة -نحسبها كذلك والله حسيبها- تقدم لها رجل صالح وصاحب دين غير قطري نحسبه -كذلك والله حسيبه- وقد رفضناه لا لخلقه ولا لدينه، ولكن كان رفضنا له ومشكلتنا معه تكمن في الآتي:
أولا: الرجل متزوج ولديه خمسة من الأولاد، يعيشون خارج قطر، وراتبه في قطر لا يكفي للعيش في حياة كريمة، فإيجار البيت وغلاء الأسعار لا يخفى عليكم، فأنتم أعلم بواقع العيش في قطر.
ثانيا: سوف يترتب على زواجه من أختي ظلم إما لأختي أو لزوجته الأولى (خارج الدوحة) فكيف يستطيع النفقة على أهله وأولاده في بلدهم، وكيف يمكنه فتح بيت جديد هنا، وظروفه صعبه لا تمكنه من العيش المحترم، أليست الباءة المذكورة في الحديث الشريف تشمل القدرة على النفقة ومتطلبات الحياة؟ أليست الشريعة قائمة على إعطاء كل ذي حق حقه، وهو من المحال أن يعطي حق أهله في بلده وحاله كما ذكرنا لكم، مع العلم أن أختي عارفة لظروفه المالية، وهي مصرة وموافقة على القبول به زوجا لها.
فالسؤال هو: هل رفضنا له كان محقا؟ أم أننا أخطأنا وجانبنا الصواب؟ وكيف أقنع أختي أن هذا الأمر غير مناسب لها وله، وفيه ضرر على زوجته الأولى وظلم لها، والله تعالى لا يرضى بذلك الظلم ؟ وبماذا تنصحوننا بارك الله فيكم ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين. وأرجوكم لا تحيلوني على أسئلة سابقة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من حق الفتاة على وليها إذا تقدم لها الزوج الكفء المرضي في دينه وخلقه ورضيت الفتاة به، فمن حقها على وليها أن يزوجها به، ولا يجوز له أن يرفض تزويجها به بغير مسوغ شرعي، فالراجح من أقوال أهل العلم اعتبار الكفاءة بالدين والخلق فقط، وذلك لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات13}. ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. رواه الترمذي من حديث أبي حاتم المزني.
قال ابن القيم في زاد المعاد: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر. ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك. اهـ.
ولا يجوز للولي منع موليته الزواج من الكفء وإلا كان عاضلا لها.
قال ابن قدامة في المغني: ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ. {البقرة: 232}. اهـ.
ومعنى الباءة شامل للقدرة المالية والبدنية كما ذكر أهل العلم.
قال ابن عابدين الحنفي نقلا عن الفتاوى الحامدية: القدرة على الجماع شرط الكفاءة كالقدرة على المهر والنفقة. اهـ.
ولكن الخطاب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة.... الحديث، موجه لمن يريد الزواج من الرجال وليس للمرأة.
والنفقة حق للمرأة، فإن كانت عاقلة رشيدة ورضيت بالزواج به وإسقاط نفقتها ونحوها فلها ذلك.
وعليه، فما دامت هذه المرأة عاقلة رشيدة، وراضية بحاله، وراغبة في الزواج منه، ولا يوجد مانع آخر من قانون أو ترتب ضرر محقق عليها. فلا يحق لكم منعها من الزواج منه على وجه الإلزام، ولكن إن رأيتم أن زواجها لذلك الرجل ليس من مصلحتها، أو أنه قد تترتب مظلمة لغيرها، فلكم أن تنصحوها بتركه على وجه الإرشاد والنصح، مع أنه لا تلازم بين زواجها منه ووقوع الظلم على زوجته الأولى وأولادها.
والله أعلم.