السؤال
في سورة الأعراف قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ـ وقال على لسان هود عليه السلام: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ـ وقال على لسان صالح عليه السلام: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ـ وقال على لسان شعيب: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ـ فما السر أن يأتي اللفظ جمعًا مع كل من ذكروا إلا مع صالح، ولم يذكر مفرداً، أو جمعًا مع لوط عليهم وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجمع الرسالة في قول نوح لقومه: أبلغكم رسالات ربي، وقول هود لقومه: أبلغكم رسالات ربي، وقول شعيب بعد هلاك قومه: لقد أبلغتكم رسالات ربي، وارد باعتبار تعدد ما يأمرهم به وتنوعه، أو بغير ذلك من الاعتبارات قال أبو حيان في البحر: وجمع رِسَالاتِ باعتبار ما أوحي إليه في الأزمان المتطاولة، أو باعتبار المعاني المختلفة من الأمر والنهي والزّجر والوعظ والتبشير والإنذار، أو باعتبار ما أوحي إليه وإلى من قبله. انتهى.
وأما الإفراد في قول صالح: لقد أبلغتكم رسالة ربي، فواضح، ومن المعلوم أن المفرد المضاف يعم، كقوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها -أي نعمه- وقد قرئ قوله تعالى: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، بالإفراد والجمع، قال ابن عادل في اللباب: وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصمٌ في رواية أبي بَكْر: رِسَالاَتِهِ -جَمْعاً والباقون: رِسَالَتَهُ بالتوحيد، ووجهُ الجمْع: أنه عليه السَّلام بُعِثَ بأنْواعٍ شتَّى من الرسالة، كأصول التوحيد والأحكام على اختلاف أنواعها، والإفرادُ واضحٌ، لأنَّ اسمَ الجنس المضافَ يَعُمُّ جميعَ ذلك، وقد قال بعض الرسُلِ: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي { الأعراف: 62} وبعضُهم قال: رِسَالَةَ رَبِّي { الأعراف: 79} اعتباراً للمعنيين. انتهى.
وأبدى بعض العلماء نكتة في اختصاص صالح بلفظ الإفراد دون سائر من ذكر، قال الكرماني في أسرار التكرار: قوله: رسالات ربي، في جميع القصص إلا في قصة صالح، فإن فيها رسالة على الواحدة، لأنه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمروا قومهم بها إلا في قصة صالح، فإن فيها ذكر الناقة، فصار كأنها رسالة واحدة. انتهى.
وأما لوط عليه السلام، فلم يخبر الله عنه أنه قال مثل هذه المقالة لقومه، ولم ينبه أحد على نكتة ذلك فيما اطلعنا عليه.
والله أعلم.