السؤال
لقد توفي زوجي بعد فترة زواج قصيرة، وكان زوجي مقيما للصلاة ومعظم الفروض يؤديها في المسجد، وكان دائم القراءه في المصحف والصيام نوافل أيام الاثنين والخميس حتى في شدة الحر، وكان خدوما بشوش الوجه محبا للجميع، وكذلك فجميع الناس تحبه جدا حتى لو رأته لمرة واحدة، والجميع حزين عليه جدا بعد وفاته، وكانت كل الناس يوم جنازته تحكي قصصا جميلة في أخلاقه لدرجة أن من لم يره من الناس تمنى لو كان رآه وتعامل معه، وكان بارا جدا بأمه، وكان قائما بخدمتها لمدة 25 عاما، ورفض أن نستقل في بيت برغم تملكه لبيت حتى يتمكن من خدمة أمه، وأنا أحببت هذه الخصال في زوجي، وعاهدته على أن أضع أمه في عيني وأظن أني فعلت ما عاهدته عليه، ولذلك كان يحبني جدا رحمه الله، وأنا أحببته جدا، وكان يتقي الله جدا في معاملته لبنتي من زواج سابق، وكان صائما لرمضان رغم شدة مرضه، مقيما لصلاة التراويح والتهجد على كرسي في المسجد، وإن لم يجد يتحامل على نفسه ويصلي بدون كرسي وحينها يرجع من المسجد فى شدة الإعياء.ولقد أجرى زوجي جراحة خطيرة بعد رمضان مباشرة لإزالة ورم بالبنكرياس، وأثناء وجوده بالمستشفى تصدقت من ماله بنية الشفاء لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: داووا مرضاكم بالصدقة ،إلا أن ما يحزنني ويؤرق علي حياتي أنه في العشر أيام التالية للعملية وقبل دخول زوجي في غيبوبة كان مكتئبا جدا، وكان يتمنى أن يصلي إلا أنه لم يصل، وكان حزينا جدا، ودائم الدموع، ولا يتكلم إلا القليل جدا، ولحظة دفن زوجي دعوت الله أن يطمئن قلبي عليه، فأنزل الله في قلبي في لحظة لحد زوجي بردا وثلجا على قلبي، هذا بالإضافة إلى أنه كان مسرعا جدا أثناء جنازته، وعندما أرسلت له السلام وهو مار من أمام البيت في طريقه للقبر وقف لي لمدة لحظات بسيطة، ومن وقوفه المفاجئ أمامي وقع بعض الرجال المشيعين له .إنى خائفة على زوجي جدا من عذاب القبر، ومن ألا يكون مقبولا عند ربه، فأنا بطبيعتي نفسي لوامة في كل تصرف أتصرفه، ونفسي اللوامة تؤرق علي حياتي والحمد لله ربنا وفقني ووكلت أحد الأشخاص أن يحج لزوجي من مالي واشتريت له كرسيين في الحرم صدقة جارية يستفيد منها وأقرأ له القرآن، وأدعو له دائما في صلاتي، وأدعو الله دائما أن يطمئنني على زوجي وعلى مكانته في رؤية حتى يستريح قلبي.أرجوكم أفتوني هل زوجي بهذه الخصال مقبول عند الله؟ أم أن عدم صلاته العشر أيام الأخيرة لشدة مرضه وحالته النفسية أفسدت عمله السابق؟ فأنا حالتي النفسية يرثى لها خوفا على زوجي، نفسي أطمئن عليه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لزوجك، وألا يحرمه ثواب أعماله الصالحة التي ذكرت أنه كان يقوم بها في حياته، و بناء على ما ذكرت من حاله فنحن نرجو له قبول الأعمال الصالحة، والنجاة من عذاب القبر، لكن لا يمكننا الجزم بذلك لأن هذا من الأمور الغيبية التي لا يمكن الاطلاع عليها. وراجعي الفتوى رقم: 122206والفتوى رقم: 30742
وبخصوص ترك الصلاة في أيامه الأخيرة فينبغي أن يحسن الظن، ويلتمس له العذر، والصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه وعليه أن يصلي حسب استطاعته، فإن عجز عن القيام صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى مضطجعا، فإن لم يقدر إلا على الإشارة بطرف عينه فعل ذلك. وراجعي التفصيل في الفتوى رقم: 93743. وعلى تقدير أسوإ الاحتمالات، وأنه تركها بغير عذر فمذهب الجمهور أن تارك الصلاة غير جاحد لوجوبها لا يعتبر كافرا كما سبق في الفتوى رقم: 1145 وبناء على ذلك فتركه للصلاة لا يبطل ثواب أعماله الصالحة.
جاء في التمهيد لابن عبد البر : قال أبو عمر: معنى قوله في هذا الحديث حبط عمله أي حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها يعني أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فقد أجر عملها في وقتها وفضله، والله أعلم لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر أعوذ بالله من مثل هذا التأويل، فإنه مذهب الخوارج، وإنما يحبط الأعمال الكفر بالله وحده، قال الله عز وجل: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله. وفي هذا النص دليل واضح أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله. انتهى، وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 120958.
وما ذكرت من وقوف جنازة زوجك بسبب إرسال السلام إليه، فإن كنت تقصدين أنك تصورته فهذا أمر لا غرابة فيه . وإن كنت تعني أنه أمر حصل في الواقع فلا نعلم دليلا على ما يثبته.
وبخصوص الصدقة عنه من ماله بغير إذنه فلا حرج فيها إذا علمت رضاه بها ولم يصدر منه ما يدل على رفض ذلك.
جاء في المغني لابن قدامة : ولا يصح قياس المرأة على غيرها؛ لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها وتتبسط فيه , وتتصدق منه , لحضورها وغيبته , والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي , فصار كأنه قال لها : افعلي هذا . فإن منعها ذلك , وقال : لا تتصدقي بشيء ولا تتبرعي من مالي بقليل , ولا كثير . لم يجز لها ذلك ; لأن المنع الصريح نفي للإذن العرفي. انتهى.
وتبرعك بالحج عن زوجك وشراء كرسيين والدعاء له وقراءة القرآن كلها من الطاعات التي يصل ثوابها للميت بإذن الله. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 120812، 102162، 2288 .
والله أعلم .