الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قول الفقهاء فيما إذا اختلف الزوجان في الوطء

السؤال

أنا شاب أعمل بإحدى الدول الخليجية عقدت قراني على فتاة من بلدي وكان الاتفاق على أن أقوم بإعداد أوراق إقامتها ومن ثم أرجع إلى بلدي لإتمام الزفاف والدخلة، لكن حدثت مشاكل كثيرة خلال هذه المدة وفي كل مرة كنت أحاول أن أصلح الأمور حتى ولو كانت على حسابي، لكن عندما نزلت من أجل الزفاف كانت الطامة الكبرى وهي بأن أهلها بدؤوا يطلبون مني أكثر مما تم الاتفاق عليه ويفتعلون المشاكل حتى إنني اكتشفت بأنهم قد كذبوا علي في أمور كثيرة إلى أن صارحتني الفتاة بأنها لا تريد الارتباط بي بحجة أنها لا تستطيع الإنجاب وبحاجة إلى علاج وبأنها قد خبأت هذا الأمر عني بالإضافة إلى أنني اكتشفت أن بها عيبا خلقيا، فهي محروقة من أرجلها وهذا لم يكن ظاهرا لي لكوني لم أدخل بها وقد أعادوا لي الذهب وغيره فصدمت كثيرا من هذا الأمر، فقررت بأنه لا يمكن الاستمرار معهم، لكن بعد يومين اتضحت لي الصورة بأنهم أرجعوا لي الذهب بحجة أنني سوف أرجع لهم وأتوسل بأن يرضوا عني وأتمم الأمر، حيث إنني قد تكلفت كثيرا وأعددت لها حتى الإقامة، لكنني فضلت تحمل كل هذه الخسارة على أن أستمر معهم لكونهم أناسا لا يستحقون الثقة، فكيف لي أن أثق بهم وهم لا يكترثون للزواج ولا حتى لسمعة ابنتهم، مع العلم بأنهم قد قاموا بهذه الحركة من قبل فتكلمت معهم وأصلحت الأمور، فهل يعقل أن أرجع مرة أخرى، وبعهدها قاموا بإخباري بأنهم يريدون الطلاق وأن ننزل ونجري مخالعة رضائية ثم بعدها نقضوا هذا الشيء وأقاموا دعوى علي وادعوا بأنني دخلت عليها، مع العلم بأنني لم أدخل عليها، لأنني طوال فترة الخطوبة كنت مسافرا ولم أرجع إلا قبل عدة أيام ولم تحصل دخلة ولا زفاف وهم الآن يبتزونني وأبوها يساومني لأدفع مبلغا وعندها نطلق، وبعد كل ذلك يتهمونني ويحكون علي عند الناس بأنني بخيل وضعيف الشخصية وغير ذلك من الأمور، وفوق كل ذلك تتهمني وتدعو علي بأنني السبب، وأنا لا أريد أن أظلم أحدا، لكنهم هم من ظلمني وأحس بأنني مغبون من هذا الأمر، وسؤالي لكم: هل أنا قد ظلمتها بعد كل الذي فعلته بي؟ وهل يجب علي أن أكون بلا شخصية وأن أبتعد عن أمي التي أعيلها من أجل أن أرضيهم؟ أفيدوني فرأيكم عندي جدير بالثقة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان ما ذكرت هو الواقع فلم يحدث منك ظلم لهذه الفتاة، بل قد يكون الظلم من قبلها وقبل أهلها بإشانتهم سمعتك ومطالبتهم ما لا يستحقون وسعيهم في تطليق زوجتك من غير وجود ما يسوغ ذلك، هذا بالإضافة إلى ما ذكرت من دعواهم دخولك بزوجتك، وهو ما لم يحصل، كما أوضحت في سؤالك، وما دامت هي الطالبة لفراقك من غير إضرار منك بها فلك أن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك بمال، قال الطبري ـ رحمه الله ـ عند تفسير قوله تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {البقرة: 19}.

قال: وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه فحق لزوجها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه حق له، وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر، قال أبو جعفر: فمعنى الآية: ولا يحل لكم أيها الذين آمنوا أن تعضلوا نساءكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم ـ المهرـ إلا أن يأتين بفاحشة من زنا، أو بذاء عليكم وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم، فيحل لكم حينئذ عضلهن والتضييق عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به. اهـ بتصرف.

وأما بالنسبة لدعواهم دخولك بها، فقد بين الفقهاء الحكم فيما إذا اختلف الزوجان في الوطء وذكروا أن القول قول من ينفيه لتمسكه بالأصل، قال السيوطي الشافعي في الأشباه والنظائر عند الكلام عن قاعدة أن الأصل العدم: إذا اختلف الزوجان في الوطء, فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم. اهـ.

وذكر مثله الحموي الحنفي في كتابه غمز عيون البصائر.

ومما لا شك فيه أن المطلوب من المسلم أن يكون حازما في أموره وأنه لا ينبغي له أن يذل نفسه، وهذا الزواج الذي تكون بدايته على هذا النحو قد يكون الأولى عدم الاستمرار فيه، فالفراق الآن أولى من الفراق بعد الدخول وربما إنجاب الأولاد، وإذا كان هذا الزواج قد يحول بينك وبين البر بأمك فإنه زواج لا خير فيه، فحق الأم عظيم وبرها والإحسان إليها واجب.

وننبه إلى أنه ينبغي للزوج أن يجتهد في التوفيق بين حق الزوجة وحق الأم، ففي الحديث الذي رواه البخاري أن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال لأبي الدرداء رضي الله عنه: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان.

ومسائل المنازعات تحتاج إلى أن يسمع فيها من الطرفين، فالأولى أن تراجع فيها المحكمة الشرعية ولا يكتفى فيها بفتوى، فحكم القاضي ملزم ورافع للخلاف في المسائل الاجتهادية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني