الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تتوالى عليه المحن والمصائب فماذا يفعل

السؤال

الحمد لله على فضله، والصلاة والسلام على خير خلقه.بعد تخرجى وبدلا من أن أبدأ حياتى كأي شاب، وجدتنى امام ديون على والدي في تجارته، ففرغت نفسي وضيقت عليها لسنوات خوفا من أن يموت وعليه دين، حتى قضاها الله عنا وما إن كاد يستقر الوضع ويتحسن فيما يبدو لي لجني ثمارالتعب يسر الله بتأشيرة لإحدى دول الخليج لم تقبل السفر ولولا استخارة الله لشهور وإرضاء للوالدين لما سافرت. ثلاث سنوات مرت في ضيق وغربة، ولم أتمكن من العودة لبلدي، فلم يكن معى حتى أجرة السفر ولو برا،كما أن تجارة الوالد قد انتهت حتى تبرع أحد الأٌقرباء وسافرت معه لبلدي في سيارته.استخرت الله في العودة، واقترضت ثمن تذكرة الطائرة، يسر الله وتحسن الوضع كثيرا، لكنه لايكفي لتكاليف الزواج فجزء كبيرمن راتبي يذهب لإعانة والدي.بلغ عمرى38 عاما فاستخرت الله واستشرت أهل العلم في شراءأسهم عن طريق بنك إسلامى وبعتها وعقدت على إحدى الفتيات طلبا لإعانه الله، فحدثت أمور عجيبة في شهور وتعب نفسي وخسارة أموال وحادث سيارة ومشاكل في العمل، وسوء تعامل من تلك الفتاة حتى طلقتها قبل الدخول بها، ثم أبدلني الله خيرا منها، والحمد لله.إلا أنه كثيرا ما يحدث ضيق نفس وتعب وقد أتشاجر معها لأسباب تافهة، وتقريبا كل شهر وفي أيام التبويض لديها يحدث ما يبعدني عنها.كما أن المني تقريبا يخرج منها معظمه على قلته، بعد أن أقوم عنها بالرغم من انتظاري لدقائق.أحيانا أضع رأسي على صدرها وأنام فأفزعهاباهتزاز جسمي وارتعاشي، وكأني في كابوس، فتقرأ علي المعوذات، فأهدأ وفي إحدى المرات تقول إن السرير اهتز بارتعاشي وأنا لاأري ولا أشعر بكل ذلك.مشاكل في عملها وتضييق عليها، ضياع الوقت سدى بالرغم من أننى حامل لكتاب الله، قد تذهب أيام ولا أقرأ جزءا واحدا.شد وجذب في الأيام الأخيرة مع والدتي، وغضبها مني ومن زوجتي لأسباب يتبين خطؤها بعد ذلك.ابتلاءات متوالية آخرها حادث سيارة وكادت أن تزهق روحى لولا عناية الله، فتلفت السيارة وألغي ترخيصها وأصبت فقط بكسر في الذراع، الحمدلله علي فضله.فأناعلى يقين من أن هناك شرورا كثيرة يدفعها عنا.أردت تفسيرا لذلك، وطالبا لدعائكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك وأهل بيتك في الدنيا والآخرة، وأن يعجل بفرجكم، وأن يكشف عنكم ما أهمكم.

ثم نذكرك أخانا الكريم ببشارة الله الكريم لعباده الصابرين، حيث يقول سبحانه : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) {البقرة}. وبالبشارة النبوية لكل مسلم برفع درجاته ومحو سيئاته بسبب المصائب، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة . رواه مسلم. قال النووي : في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور . وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها . وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء .اهـ.

فهذه الحال التي ذكرها السائل الكريم عن نفسه يمكن الاستدلال بها على إرادة الله الخير له، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة . رواه الترمذي . وحسنه الألباني .

وقد سبق لنا أن الدنيا دار ابتلاء، وبيان بعض ثمرات الابتلاءات والمصائب وفوائدها في الفتويين : 51946,16766. كما سبق لنا ذكر بعض البشارات لأهل البلاء وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب في الفتاوى التالية : 18103,5249,39151.

وأما عن تفسير ذلك فلا يمكننا القطع به، ولكن المصائب التي تصيب الإنسان بصفة عامة قد تكون عقوبة على ذنوبه، وقد تكون تكفيرا لخطاياه أو رفعة لدرجاته وزيادة لحسناته، وقد تكون لتمحيصه وتمييزه عن من يعبد الله على حرف. وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى التالية : 27048,44779,27585.

كما إنها قد تكون بسبب ظلم بني آدم، وبغي بعضهم على بعض بالعين والحسد ونحو ذلك، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية : 30851,16755,17587.

وعلى أية حال فالأمر سواء إذا حلت المصائب، فلا بد في جميع الأحوال من الصبر وعدم الجزع والتشكي مع حسن التوكل على الله، وصدق اللجوء إليه والاستعانة به، وكثرة الدعاء وتلاوة القرآن، واستعمال الرقية الشرعية. هذا مع التوبة وكثرة الاستغفار، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على طاعة الله تعالى ولزوم تقواه، فإن ذلك جماع الخير وأقرب مفاتح الفرج، كما قال عز وجل : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) ....... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) {الطلاق}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني