الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنع من العطاء والذرية وراءه حكم جليلة

السؤال

سؤالي: أنا متزوج من ثلاث سنوات تقريبا، وجلست مع زوجتي فقط حوالي 6 شهور، ولم يحدث حمل إلا مرة واحدة، ولم يأذن الله عز وجل أن يكمل الحمل، ومن وقتها لم يرزقنا الله بالأطفال، وأنا أعمل كل شيء أقدر عليه أدعو وأصلي وأستغفر طول اليوم، وأتبرع، وأعمل حاجات لله، وحيث إنني أعمل في بلد، وزوجتي في بلد آخر، وأعيش معها شهرين كل سنة فإنني أحس في الفترة البعيدة باليأس والتعب النفسي، وبدأ اليأس يدخل قلبي وأحس أنني لن أنجب أطفالا وسأظل طول عمري هكذا، وهذا إحساس فظيع، وخصوصا لو سمعت أو عرفت أحدا ربنا رزقه بأطفال، والله ليس غيرة أو حقد، وإنما غيرة حميدة، أتمنى الذرية الصالحة. والمشكلة يا شيخ أنني تأتي علي فترة الشيطان يوسوس وأقول لنفسي وأعوذ بالله من الشيطان إنني لست غنيا غناء فاحشا، ولا أنني شكلي شديد الجمال، ولا أنني لا أعاني من المرض، بل أعاني من أمراض، ولا أنني لم أصطدم بأية مشاكل، لا بل حصل لي العديد من المصائب، وكل هذا وأيضا لا أنجب، وأعوذ بالله، الشيطان هو الذي يوسوس لي بهذا، ولما أحس بهذا أستعيذ وأستغفر لكن أحس أني غير قادر أتحمل، وأنا ليس عندي ما يمنع الحمل والزوجة كان عندها حاجة وتعالجت. والآن ليس عندنا أية مشاكل تعوق الحمل، ولكن الله لم يقدر لنا بعد. هل أتركها كي لا أظلمها، أم ماذا أعمل؟ وما الحل في هذا اليأس؟ وهل هناك أدعية مخصوصة؟ وأنا ناوي أعمل عمرة، وأنزل إجازاتي، سأعمل حاجة لله ما الذي يمكنني فعله زيادة عن ذلك؟ أجبني الله يكرمك، ويجزيك الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها السائل الكريم أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمؤمن فيها يتقلب من حال إلى حال، قال الله سبحانه : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) {الأنبياء}. وانظر الحكمة من الابتلاء وما يشرع عند وقوعه في الفتاوى التالية : ,64831,39081,56863, وانظر ثواب الصابرين في الفتويين : 8601,32180.

وإنا لندعوك في هذا المقام أن تذكر نعم الله سبحانه عليك، فكم لله عليك من نعم لا تعد ولا تحصى في مطعمك ومشربك وصحتك وسمعك وبصرك وجوارحك، من يد تقدر بها على البطش، ورجل تقدر بها على المشي، ولسان تقدر به على النطق , وغير ذلك كثير , أما ما منعك الله كنعمة الولد فإنا نوصيك بأن تصبر، وتري الله من نفسك خيرا، وعليك أن تستشرف من وراء ذلك حكمة أحكم الحاكمين جلا وعلا، فإن منعه عطاء , وبلاءه عافية , قال بعض السلف : يا ابن آدم نعمة الله عليك في ما تكره أعظم من نعمته عليك في ما تحب , وقال تعالى : وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) {البقرة}.

وقال آخر : ارض عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك .

يقول ابن القيم : فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بخلا منه , ولا نقصا من خزائنه , ولا استئثارا عليه بما هو حق للعبد . بل منعه ليرده إليه , وليعزه بالتذلل له , وليغنيه بالافتقار إليه , وليجبره بالانكسار بين يديه , وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له , ولذة الفقر إليه , وليلبسه خلعة العبودية , ويوليه بعز له أشرف الولايات , وليشهده حكمته في قدرته , ورحمته في عزته , وبره ولطفه في قهره , وأن منعه عطاء , وعزله تولية , وعقوبته تأديب , وامتحانه محبة وعطية. انتهى .

وقال أيضا : المنع عطاء وإن كان في صورة المنع، ونعمة وإن كان في صورة محنة , وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية , ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائما لطبعه , ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة. انتهى .

وتأمل في قوله تعالى : وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) {الكهف}. أرسل الله عبده الخضر يقتل هذا الغلام خشية على أبويه أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر , قال قتادة في تفسير الآية : قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما , فليرض امرؤ بقضاء الله , فإن قضاء الله للمؤمن في ما يكره خير له من قضائه في ما يحب . انتهى .

ومع ذلك كله، فإنا ندعوك إلى الأخذ بالأسباب لرفع هذا البلاء من دعاء وتضرع إلى الله سبحانه، وبذل الصدقات، وتوبة من السيئات , ثم بالتداوي ومراجعة الأطباء المتخصصين , ويمكنك مع ذلك أن تتزوج زوجة أخرى تبتغي منها الولد، ولا يلزم من ذلك أن تطلق زوجتك الأولى، فقد أباح الله سبحانه للرجل أن يتزوج بأربع نسوة بشرط العدل بينهن، والقدرة على تحمل تكاليف الزواج وتبعاته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني