السؤال
في كتاب: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي أن مالك بن سنان مص دم النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. كيف يسمح النبي بذلك صلى الله عليه وسلم مع أن الدم نجس ويحرم بلعه؟ وإذا كان لم يبلعه فلماذا مصه؟
في كتاب: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي أن مالك بن سنان مص دم النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. كيف يسمح النبي بذلك صلى الله عليه وسلم مع أن الدم نجس ويحرم بلعه؟ وإذا كان لم يبلعه فلماذا مصه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط بسنده عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه يوم أحد مص دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وازدرده، فقيل له أتشرب الدم؟ قال: نعم، أشرب دم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالط دمي بدمه لا تمسه النار. انتهى.
وقد ذكر جمع من أهل العلم أن دم النبي -صلى الله عليه وسلم- طاهر، فقد صرح بذلك جمع منهم النووي في المجموع، والمردواي في الإنصاف، والحطاب في شرح المختصر، والشيخ زكريا الأنصاري الشافعي، والبهوتي في كشاف القناع، والصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد.
وفي فتاوى الرملي: (سُئِلَ) هَلْ الْمُعْتَمَدُ نَجَاسَةُ فَضَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَغَيْرِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ طَهَارَتُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَالشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْإسْفَرايِينِيّ وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَبِهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَلْقَى اللَّهَ بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا أَقُولُ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. اهـ.
قال الصالحي في كتابه سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد في الكلام على الخصائص: روى البزار والطبراني والحاكم والبيهقي بسند حسنه الشيخ عن عبد الله بن الزبير قال احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني الدم فقال: (اذهب فغيبه) فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: (ما صنعت) قلت غيبته قال: (لعلك شربته) قلت: شربته.
وروى الدار قطنى في السنن عن أسماء بنت أبي بكر قالت إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ فَدَفَعَ دَمَهُ إِلَى ابْنِي فَشَرِبَهُ، فَأَتَاهُ جَبْرَائِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «مَا صَنَعْتَ؟» قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أَصُبَّ دَمَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمَسَّكَ النَّارُ»، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: «وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ».
روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: شج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه وازدرده، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن ينظر الى رجل خالط دمه دمي، فلينظر الى مالك بن سنان).
ورواه سعيد بن منصور عن عمرو بن السائب مرسلًا، وروى البزار، وأبو يعلى، وابن أبي خيثمة، والبيهقي في السنن، والطبراني، عن سفينة قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس، فذهبت فشربته، ثم جئت فقال ما صنعت؟ فأخبرته فضحك.
ورواه ابن عدي من طريق شريح بن يونس ثنا ابن أبي فديك ثنا برية بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده بلفظ: خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير، أو قال الناس والدواب شك ابن أبي فديك.
ورواه أبو الحسن بن الضحاك قال: حدثنا أبو الحكم، حدثنا أبو الغنائم، حدثنا عبد الله بن عبيد الله، أنبأنا أبو عبد الله المحاملي، أنبأنا علي بن شعيب، أنبأنا ابن أبي فديك فذكره....
وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على ابن الزبير ولا أم أيمن، ولا من فعل مثل فعلهما ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود إلى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له: قد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن الله لم يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها. رواه ابن حبان في صحيحه، فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك، بل هي ظاهرة في الطهارة. انتهى.
هذا ومما يجدر التنبه له أن الباعث لمالك بن سنان على مص الدم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما هو معلوم عند الناس من أن الدم المتخثر في موضع الجرح الناتج عن الضربة أو الصدمة الشديدة إذا لم يخرج أدى إلى التهاب الجرح ومضاعفة أثره على للمجروح، هذا بالإضافة إلى احتمال بقاء بعض أجزاء حلقات المغفر الذي كان على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل جسمه الشريف، فاستخرجها مالك بمص الدم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني