الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم القاضي لا يغير حقائق الواقع

السؤال

اشترى شخص شقة من تعاونيات الإسكان في مصر بالتقسيط، وباعها لأخي بعقد ابتدائي، وقام أخي هذا بكتابة عقد بيع وتنازل عن هذه الشقة على أن أستكمل سداد الأقساط، وقال لي سجل العقد باسمك ( واتفسحوا فيها واتبيعها ) وسافر لأمريكا، وعاد بعد فترة وأول ما سالني عنه هو هل سجلت الشقة باسمك؟ فقلت له لا، فكرر طلبه بتسجيل الشقة باسمي، لكنني للأسف لم أفعل، ثم توفي أخي ( الله يرحمه ) وبعد وفاته قلت لإخوتي ووالدتي ( وكنا نحن فقط ورثته ) ما طلبه أخي مني، فبدأنا جميعا سداد الأقساط بنسب الميراث، وكانت نيتي أن أشترى الشقة من إخوتي عند عرضها للبيع، وعندما يعرضوا بيع الشقة وأقول لهم أنا أشتريها منكم بالتقسيط لظروفي المادية، فيتوقفون عن عرضهم بالبيع، وبعد أن توفيت والدتي -الله يرحمها -أخذ أخي الأصغر كل الأوراق بما فيها عقد بيع أخي المتوفى لي بالشقة، وبعد فترة طلب منى أن ننقل اسم ملاك الشقة بالتعاونيات باسم ورثة أخي؛ لأنها كانت لا تزال مسجلة باسم المشترى الذي باعها لأخي، فوافقت وكانت نيتي التي لم أفصح لهم عنها أنني سأشتري الشقة منهم إرضاء لإخوتي، وتنفيذا لطلب أخى بتسجيل الشقة باسمي، ولكنهم استمروا في التمسك بالشقة حتى ارتفع ثمنها جدا، وخارج إمكانياتي المادية مما اضطروني أن ألجأ إلى دار الإفتاء المصرية عن صحة الوضع، فأفتوني بأن الشقة ملك لي، وعلي أن أرد لهم ما دفعوه من أقساط؛ لأن أخي كتب العقد في حياته، ولم يكن في مرض الموت.
والآن إخوتي يتمسكون بحقهم كورثة لتوقيعي معهم على عقد نقل اسم المالك بالتعاونيات إلى ورثة أخي، وليس لي، وقال لي أخي الأصغر إنه كان يجب أن تنقل الشقة باسمك مباشرة، وطالما وقعت معنا كوريث فإن الشقة أصبحت ميراثا لنا جميعا، وسالت رئيس محكمة عندنا، قال لي قانونا إن عقدي أصبح باطلا، لكن شرعا إذا تعمد أخي أن يفعل ذلك بتسجيل الشقة باسم الورثة عن علم بإلغاء عقدي، فهو آثم ويجب أن يرد لي الشقة هو وأخي الآخر، وإن كان جاهلا بأن التسجيل باسم الورثة يبطل عقدي، فأيضا يجب عليهما إلغاء هذا النقل ونقلها باسمي مباشرة، لو كان يتقي الله فيما يأخذ، خاصة أنني لم أتقاض منهم أي مبالغ عند نقل الشقة باسم الورثة، ولم أقل لهم إنني وهبت أو أهديت لهم شيئا منها، ولكن فقط لمجرد إثبات الشقة باسمي وإخوتي بدلا من البائع الأول لأخي المتوفى، واعتبار ذلك أمانة طرفهم على أن أسجل باسمي سواء بالشراء في حدود إمكانياتي من إخوتي أو أنتقل إلى شرعية عقدي وأنقلها باسمي، وفى المقابل فإنى ملتزم بسداد المبالغ التي دفعوها معي، وأنا لم أسأل عن عقدي طيلة 14 عاما تقريبا لحسن ظني في إخوتي، ولكني منذ أيام طلبت من أخ طبيب يتحدث مع شاهد من الشهود على العقد الذي باعني به أخي الشقة، وسأله عن السبب فقال له أخواي الاثنان مهندسان ويعملان بالخارج ووالدتي الله يرحمها ( والتي كانت على قيد الحياة في هذا الوقت ) ليست في حاجة لشقق وإنني لمرضى بشلل أطفال وعدم سفري للخارج فإن كتب هذا العقد ( عقد بيع وتنازل عن شفة ) لي لأنه كان عنده شعور( وليس عن مرض ) بأنه سيموت، فتكون الشقة من حقي، ولا ينازعني فيها إخوتي.
والآن إخوتي متمسكون بموقفهم أنهم سددوا أقساطا منذ وفاة أخي معي ( علما بأنهم استعملوا الشقة كما طلب منى أخي ولم أمنع أحدا منهم ) وأننا نقلناها باسم الورثة.
وسؤالي بالتحديد هل توقيعي على عقد النقل باسم الورثة لمجرد الحصول على عقد باسمنا من التعاونيات على اعتبار أن إخوتي سيكونون أكثر أمنا لي عن مالكها الأصلي، والذي كانت الشقة لهذا التوقيت باسمه، ولكن للأسف اتضح العكس وتمسكوا بحقهم ولم يردوا الأمانة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمسائل الخصومات وقضايا المنازعات لا بد من عرضها على المحاكم الشرعية، أو ما يقوم مقامها، أو مشافهة أهل العلم بها ليسمعوا من طرفي النزاع، ويتبينوا من كل الحجج والبراهين.

أما الفتوى فقد لا تفيد فيها الكثير، ولذلك فقد أجبناك عن حكم هذه المسألة أكثر من مرة، لكن ذلك لم يقطع النزاع، وعليه فننصح برفع القضية إلى المحكمة للنظر فيها والحكم بما تراه، ولكن للفائدة نقول بما أنك قد توجهت إلى دار الإفتاء، وأفتوك بما ذكرت من أن الشقة ملكا لك، فهم أدرى بما يقولون. وأما مجرد تسجيلها في الأوراق الرسمية باسمهم أو باسم غيرهم فلا اعتبار له، ولا يغير من حقيقة الأمر شيئا، وإن كان يعطيهم حق ادعائها وتملكها لدى الدوائر القانونية، فليتقوا الله تعالى وليعلموا أن حكم الحاكم لا يغير شيئا من حقيقة الواقع، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها". رواه البخاري.

فحكم القاضي إنما يكون بحسب الظاهر، وما يفهم من حجج الخصوم وبيناتهم، فلا عذر فيه أمام الله لمن يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما حكم له به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني