السؤال
هذا سؤال حول زكاة الدين: قرأت في كتاب فقه الزكاة ج1 ص 171، الطبعة 20، سنة 1988ما نصه: الراجح أنه لا فرق بين الدين الحال والمؤجل، لعموم الأدلة، وإن قال بعض العلماء إن المؤجل لا يمنع وجوبَ الزكاة. اهـ.
والمشكلة: أطرحها من خلال المثال التالي: لو افترضنا رجلين مع كل منهما عشرة آلاف دولار، وتتوفر فيها كل الشروط من الملك التام، والنماء، والفضل عن الحاجة الأصلية، والسلامة من الدين، أما الرجل الأول، فقام باستئجار بيت لنفسه وعائلته بمبلغ ما، وادخر الباقي، وهو ذو وظيفة ودخـْـل ٍبحيث لن تـَنقص هذه العشرة آلاف المدخرة، وبعد سنة ستلزمه زكاتــُها، أما الرجل الثاني، فأخذ دَيناً سَكـَنياً ـ مثلاً ثلاثمائة ألف دولار ودفـَع العشرةَ آلاف التي كان يملكها، دفعة أولى لازمة لتملّـك البيت، ودخْـلُ الرجل هذا يكفيه لدفع أقساط البيت، لكن بعد سنة، سيقول هذا الرجل الثاني: أنا لا أملك مالاً، لأن العشرة آلاف التي كانت عندي قد دفعتها للبيت وسيقول وحتى لو كانت عندي، فليس علي زكاة، لأن علي دين للبيت بملغ 290 ألفا انتهت الصورة.
الواقع: أن الرجل الثاني صحيح أن عليه دين 290 ألفا، لكنها مؤجلة، والمبلغ المطلوب دفعه لهذا العام قد لا يتجاوز الـعشرة آلاف فقط، وهو يستعمل دين البيت كعذر لعدم التفكير في موضوع دفع الزكاة مطلقاً، لأنه يدّعي أنه تحت دين كبير لن تجب عليه أي زكاة حتى يملك أكثر من 290 ألفاً، أو حين ينتهي من تسديد ثمن البيت بعد ثلاثين سنة، وهذا يبدو لي فيه ما فيه للأسباب التالية:
أولاً: عادة المبالغ التي يدفعها صاحب البيت تجاه البيت تزيدُ مـِن نسبة تملـّـكه من البيت، وهي قيمة محددة معروفة يمكنه أن يستبدلها نقداً، فله أن يذهب إلى أي مؤسسة مالية ويقول لها عندي بيت قيمته 300 ألف، لي منها كذا ـ فلنقل 30 ألفاً ـ والباقي لا يزال ديناً، فتقوم هذه المؤسسة بإسلافه إن شاء قسماً من الـ 30 ألفاً مقابل رهن ما يمتلكه في البيت، فالمبلغ الذي يضعه صاحب البيت فيه يبدو لي أنه يضاهي السيولة، ولا بد من وسيلة شرعية تمنع من تخبئة المال من حساب الزكاة بدعوى أنه دُفع تجاه ثمن البيت.
ثانياً: كثير من الناس يشترون البيوت، لأنهم على يقين وقناعة أنها معرّضة للنماء، فيرغبون في شرائها، لأن ثمنها يزيد ـ عادة مع الوقت ـ فالمبالغ التي توظف في شراء البيوت يبدو لي أن فيها شيء من عامل التجارة.
ثالثاً: في مثال الرجل الثاني، وبالرغم من أنه تحت دين هو 290 ألفاً، لكنه غير مطالَـبٍ بأكثر من 10 آلاف لهذا العام، وبالتالي، لو كان معه في الادخار في البنك مثلا 15 ألفاً قد جمعها من زيادات راتبه، أليس من روح الشريعة أن يكون مطالَـباً بدفع الزكاة عما زاد عن المبلغ المطلوب لهذا العام؟ هناك أقوام عندهم مئات الآلاف من الدولارات في حساباتهم، لكنهم لا يدفعون الزكاة بدعوى أن عليهم دين البيت بمبلغ يوازي، أو يزيد عن حساباتهم البنكية، يبدو لي أن ما رجحه فضيلة الشيخ القرضاوي من أن الدين يحجب الزكاة سواء أكان حالاً أم لا هو بحاجة إلى توضيح بأن الدين يحجب عن الزكاة فقط بالنسبة لمن عزم على دفع دينه خلال عام الزكاة سواء أكان الدين حالاً أم لا، ولا يبدو لي أن مقصود الشيخ أن الدين إن لم يكن حالاً فهو يحجب عن الزكاة مطلقاً، كما في الأمثلة السابقة، والحقيقة أنني أتهم نفسي بالتقصير في فهم المسألة واستيعاب كلام الشيخ إذ لا شك أن له وجه صحيح سليم لم أدركه لضعفي، أرجو منكم أن تتأملوا هذه المسألة ثم ترشدوني لما ترونه صواباً فيها.