الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مات وعليه صيام فهل لأولاده أن يتقاسموا صيام تلك الأيام عنه

السؤال

أثابكم الله. من مات وعليه صيام كفارة يمين أو صيام من رمضان، هل يجوز أن يشترك في صيام الكفارة الواحدة أكثر من واحد من أولياء الميت، كأن يكون عليه صيام عشرة أيام، وله ثلاثة من الولد، فيصوم كل واحد ثلاثة أيام، وأحدهم يصوم أربعة أيام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالراجح - إن شاء الله - من حيث الدليل أن من مات وعليه صيام جاز لوليه أن يصوم عنه، سواء في ذلك صوم النذر وغيره لحديث عائشة الثابت في الصحيح: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.

ثم إن كان على الميت عدد من الأيام فصام عنه أولياؤه بعدد تلك الأيام جاز ذلك، ولو وقع صومهم في يوم واحد، ولو صام أحد أوليائه بعضا والآخر بعضا جاز كذلك، وشرط ذلك ألا يكون هذا الصوم مما يجب فيه التتابع كصوم كفارة الظهار وكفارة اليمين إن قلنا بوجوب التتابع فيها.

وأما إن قلنا بعدم وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين فالحكم هو ما مر، وقد علق البخاري في صحيحه عن الحسن قوله: إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز. اهـ

قال العيني في عمدة القاري: قوله إن صام عنه أي عن الميت والقرينة تدل عليه، قوله: يوما واحدا وفي رواية الكشميهني في يوم واحد جاز أن يقع قضاء صوم رمضان كله في اليوم الواحد للميت الذي فات عنه ذلك.

قال النووي في ( شرح المهذب ) هذه المسألة لم أر فيها نقلا في المذهب وقياس المذهب الإجزاء. وفي التوضيح: أثر الحسن غريب وهو فرع ليس في مذهبنا، وهو الظاهر كما لو استأجر عنه بعد موته من يحج عنه من فرض استطاعته وآخر يحج عنه عن قضائه وآخر عن نذره في سنة واحدة فإنه يجوز. انتهى.

وقال الحافظ رحمه الله بعد ذكر كلام النووي المتقدم نقله: قلت : لكن الجواز مقيد بصوم لم يجب فيه التتابع لفقد التتابع في الصورة المذكورة. انتهى.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: مسألة: هل يلزم إذا قلنا: بالقول الراجح أنّ الصومَ يشمل الواجب بأصل الشرع والواجب بالنذر ـ أَنْ يقتصر ذلك على واحد من الورثة؛ لأن الصوم واجب على واحد.

الجواب: لا يلزم؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: « صام عنه وليه » ، مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابناً، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوماً فيجزئ، ولو كانوا ثلاثين وارثاً وصاموا كلهم يوماً واحداً، فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوماً، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوماً. أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع؛ ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين. وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرّاً حتى تتم؟

فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً. انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني