الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فاضل بين أولاده في العطايا ثم مات قبل أن يسترده

السؤال

نحن عائلة متكونة من ثلاثة إخوة وتسع بنات وأبي يمتلك بناية تجارية مكونة من شقة ذات طابقين تجاري وتحته ثمانية دكاكين وبيت في منطقة راقية وقطعة أرض في منطقة نائية حاليا، وقد قام بكتابة الشقة باسم إخواني الثلاثة وكتب البيت إضافة إلى الشقة باسم اثنين من إخواني من غير سبب شرعي، أو حاجة فقط لكي لا نطالب بالشقق والدكاكين والبيت من بعده، والأرض بقيت على اسمه لا أدري لماذا لم يعطهم الأرض أيضا وحرمنا نحن البنات من أمواله، وبعد أن تقدم به العمر، لا أعرف هل ندم وصحح خطأه أم لا؟ والآن توفي والدنا وعندما طالبنا بحقنا من إخواننا منعونا من الشقق والدكاكين والدار أيضا وقالوا فقط الأرض توزع حسب الشرع، لأنها باسم أبينا وأن أبانا أعطانا الشقق والدكاكين برضائه ونحن بنينا الشقة، وأعطانا الدار أيضا ولا حق لكم فيهما، علما بأن والدي كان يعمل ويسلم ماله إلى أحد إخوتي ولا نعلم أين ذهب ماله بعد وفاته؟ والسؤال: هل هذا جائز شرعا؟ وهل المال جائز لإخوتي أم لا؟ وهل إخواني مشتركون في الإثم إن لم يصححوا خطأ والدنا؟ وهل حرام علينا المطالبة بحقنا؟ وجزاكم الله خيرا.
ملاحظة: أريد الجواب من فضيلتكم هل المال جائز لإخوتي أم لا؟ وإذا طالبناهم بحقنا إن كان يجوز لنا وفق القانون، فهل المال حلال علينا أم لا؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فمسائل التركات مسائل شائكة وخاصة ما كان منها فيه خصومة ونزاع ولا بد من عرضها على القضاء، أو مشافهة أهل العلم بها ولا يكفي فيها مجرد السؤال عن بعد، لكن نقول لك من حيث الإجمال: إن ما فعله الأب بكتابة بعض أملاكه بأسماء أبنائه وحرمان بناته محرم شرعا، لكن إن كان الأمر مجرد كتابة الشقتين والأرض بأسماء الأبناء دون أن يهبهم ذلك في حال صحته ورشده ولم يمكنهم منه وإنما يريد استقلالهم بها بعد موته وليس لهم أن ينتفعوا به في حياته، فهذه مجرد وصية، والوصية للوارث لا تصح ولا تمضي ما لم يجزها بقية الورثة، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وحسنه السيوطي من حديث أبي أمامة ـ رضي الله عنه.

وهي حيلة يفعلها كثير من الآباء بقصد حرمان بعض ورثتهم فيسجلون أملاكهم باسم بعض الأبناء ليكون له الحق فيها قانونيا بعد موت الأب، لكونها مسجلة باسمه وهي حيلة باطلة ولا اعتبار لها شرعا، وليعلم الأبناء أنهم إذا فعلوا ذلك فإنما يأكلون أموال غيرهم بالباطل فليتقوا الله تعالى وليرفعوا الظلم ويعيدوا الحق إلى أهله.

وأما لو كان الأب قد ملك أبناءه ما كتبه بأسمائهم في حياته وحازوه قبل موته وقبضوه فهذا محرم أيضا، لأنه لم يعدل في الهبة، بل جار فيها وحرم بناته، وفي الحديث: سووا بين أولادكم، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء. رواه البيهقي في سننه.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لاَ، قَالَ: فَلاَ تُشْهِدْنِى إِذًا، فَإِنِّى لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. واللفظ لمسلم.
وفي رواية لهما أنه قال له أيضا: فأرجعه.

وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.

وفي رواية عند أحمد: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى مضي الهبة بالموت قبل تعديلها، قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي.

وذهب بعض أهل العلم أنه يجب على المفضل رد ما فضل به وإن مات الوالد قبل التعديل.

وفي كل الأحوال ينبغي للأبناء على فرض حصول الهبة لهم في حياة الأب وحوزها منهم أن يعدلوا فيها لرفع الظلم عن أخواتهم، وذلك من البر بالأب بعد موته ولعله يخفف عنه ما يلاقيه بسبب ذلك الظلم والجور المحرم.

وأما ما بقي بعد موت الأب من ماله وودائعه لدى أبنائه وغيرهم فهو تركة يقسم على جميع الورثة كل بحسب نصيبه المقدر له شرعا، وليس للابن الذي كان الأب يودع لديه أمواله أن يستحوذ عليها ويجحدها، وهذا على فرض كونها وديعة عنده، وأما لو كان الأب وهبها له خاصة فالقول فيها كالقول فيما سبق من شأن الهبة الجائرة وعلى كل، فلا حرج عليكن في مطالبتكن بحقكن في ميراث أبيكن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني