الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النظام الاقتصادي الإسلامي هو المنهج الحق لا الاشتراكية أو الرأسمالية

السؤال

سؤالي عن الاشتراكية إذا كان معناها التالي: الاشتراكية في مفهوم البعث إقامة نظام اقتصادي واجتماعي مزدهر ينتفي فيه الاستغلال، وتتحقق العدالة الاجتماعية، وتتكافأ الفرص، وتصبح فيه ثروات الأمة الطبيعية ملكاً لها، وتكرس لتطوير حياة أبنائها، ويتحرر فيه اقتصاد الأمة من التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، وتتحقق تنمية شاملة في جميع المجالات ). فهل هذا المعنى هو نفس المعنى الذي ذكرتموه في فتواكم أم يحتمل أن يكون لها معنى آخر ليس كفرياً-حيث إنني لم إجد فيه(الاشتراك في النساء) بل في الثروات الطبيعية للأمة ؟ و ما حكم مجرد الانتساب لحزب يحمل هذه الفكرة دون الإيمان بها (بعدما عرف حقيقة الاشتراكية) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنحن لا ننكر أن في الاشتراكية بعض جوانب النفع، كما لا ننكر أن الرأسمالية كذلك، ولكن إثمهما أكبر من نفعهما، ويبقى الإسلام كنظام اقتصادي، بل ونمط عام للحياة وتنظيم العلاقات بكافة صورها ومناحيها ـ هو منهج الحق المحض الذي جمع ما في المذاهب الفكرية من المزايا والمنافع، متميزا عليها بالموازنة التامة بين المنافع الخاصة والعامة، وبين متطلبات الروح والبدن، وبين إصلاح الدين والدنيا.
وأما بخصوص ما ذكرته السائلة فإنه وإن كان أكثره مقبولا من حيث الجملة، إلا إنه لا يعبر عن حقيقة النظرة الاقتصادية من كل نواحيها كوسائل وأهداف للحزب المذكور. هذا أولا.
وثانيا: أنه لا يمكن الحكم على ألفاظ مجملة قد لا يظهر عوارها إلا بالتفصيل والتدقيق، فمثلا : "نفي الاستغلال" قد يفسر بإبطال أو إعاقة الملكية الفردية بطرق غير مشروعة.
و "تحقيق العدالة الاجتماعية" قد يفسر بتأميم الثروات إذا بلغت قدرا معينا، حتى ولو اكتسبها ذووها بالطرق المشروعة، وأدوا ما عليهم فيها من حقوق، كأداء الزكاة والنفقات الواجبة.
و "تكافؤ الفرص" قد يفسر بالتسوية بين أناس مختلفين في المواهب والمؤهلات والإمكانيات.
و "امتلاك الأمة لثرواتها الطبيعية" قد يتعارض تطبيقه بشكل أو بآخر مع بعض الأحكام الشرعية، كأحكام الركاز وإحياء الموات، وراجعي في ذلك الفتويين: 105956، 11567.
وثالثا: أن هذا الحزب المذكور له مبادئ أخرى في غير الناحية الاقتصادية، فلا يصح أن يحكم عليه من خلال إحدى الجزئيات متغافلين عن ما هو أهم كالنواحي العقدية.
ولا يسعنا أن نفصل في هذه الأمور في مجال الفتوى، ولكن نرجو أن تتطلع الأخت السائلة على ما كتب عن (حزب البعث العربي الاشتراكي) في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة). أو على الرسالة المختصرة (الإسلام والمذاهب الاشتراكية) للدكتور محمد تقي الدين الهلالي. و (موقف الإسلام من الاشتراكية) للدكتور مناع القطان. و (الرد على القول بأن الإسلام وسط بين الرأسمالية والاشتراكية في مجال الحرية الاقتصادية) للدكتور محمد رجاء. و (القومية العربية) للشيخ عبد الله عزام. ويمكن الاستفادة من الاطلاع على الفتوى رقم: 127342.
وأما عن الانتماء لمثل هذا الحزب دون الإيمان بفكره ، فلا يجوز لما في ذلك من إقرار الباطل والإعانة عليه وتكثير سواده، ومع ذلك فمن وقع في شيء من هذا دون اعتقاد لا يمكن أن يستوي هو ومن يؤمن بتلك المبادئ الباطلة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجب! إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فقالوا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

وهذا الحديث يدل على الحكمين معا، فيدل أوله على حرمة ممالأة أهل الباطل وتكثير سوادهم، ولو من غير مشاركتهم في اعتقادهم ومرادهم وأفعالهم، ويدل آخره على التفريق بين الناس بحسب ما في القلوب.

قال النووي: في هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين، لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا. اهـ.
وقال ابن حجر: في هذا الحديث: أن الأعمال تعتبر بنية العامل، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم، إلا لمن اضطر إلى ذلك، قال المهلب: في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم. اهـ.
وقال العيني: قوله "ثم يبعثون على نياتهم" ـ أي يخسف بالكل، لشؤم الأشرار، ثم إنه تعالى يبعث لكل منهم في الحشر بحسب قصده ـ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. اهـ.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 324023062631111.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني