الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعين على التقرب إلى الله بالعمل الصالح

السؤال

ما أسباب عدم العمل مع علم فضله؟ لما لا يصلي الإنسان و هو يعرف وجوب الصلاة مثلا؟ و كذلك في سائر الأعمال و العبادات؟ و ما العلاج؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحامل على المعصية والمخالفة مع العلم بقبح ذلك وسوء عاقبته هو عدم استقرار هذا العلم في القلب فليس هو علما حقيقيا ينتفع به صاحبه، فإن ذلك العلم لا يكون نافعا للعبد حتى يتبعه العمل، ولذا سمى السلف كل من عصى الله جاهلا؛ وإن كان عالما بالتحريم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وعن قتادة قال: أجمع أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل من عصى ربه فهو في جهالة، عمداً كان أو لم يكن، وكل من عصى الله فهو جاهل. وكذلك قال التابعون ومن بعدهم. قال مجاهد: من عمل ذنباً من شيخ أو شاب فهو بجهالة. وقال: من عصى ربه فهو جاهل، حتى ينزع عن معصيته. انتهى مختصرا.

وأعظم ما يوقع في هذه الجهالة اتباع الهوى والاسترسال مع شهوات النفس ومراداتها وعدم رياضتها ومجاهدتها، فيؤثر العبد راحة نفسه ولذتها العاجلة على مرضات ربه تعالى، ويحمل على هذا اتباع خطوات الشيطان وعدم الحذر من مكره وتسويله، وكذا الركون إلى الدنيا وإيثارها والاطمئنان بها والميل إليها. فذلك كله مما يقطع العبد عن تمام سيره إلى الله تعالى والدار الآخرة، ولشياطين الإنس من رفقاء السوء أثر أي أثر في تثبيط العبد عن الطاعة وحمله على المعصية. وسبيل الخلاص من هذا كله بعد الاستعانة بالله تعالى والاجتهاد في دعائه أن يسعى العبد إلى التحقق بهذا العلم حتى ينطبع في قلبه فلا يسير إلا وفق مقتضى العلم، ويكون ذلك بدوام مجاهدة النفس وعدم إعطائها ما تشتهي، فإن من أرخى لنفسه العنان فيما تحب ألقته نفسه فيما لا يحب. وهذه المجاهدة وإن كانت مرة المبادي لكنها حلوة العاقبة بإذن الله.

ومما يعين على هذه المجاهدة إدمان الفكرة في أسماء الله تعالى وصفاته، فإن آثار الأسماء والصفات إذا أشرقت على القلب أنوارها امتلأ من محبة الله تعالى فصار رضاه أهم شيء للعبد، وكذا الفكر في الجنة وما أعد لأهلها من النعيم، وأن من آثر هذه اللذة العاجلة والشهوة الحاضرة يحرم نفسه أضعاف أضعافها، وكذا الفكر في النار وما أعد لأهلها من العذاب مما لا يقادر قدره، فالعاقل لا يؤثر شهوة عابرة سرعان ما تنقضي ويؤول أمرها إلى هذا الضنك وذلك الشقاء، فالمعصية كطعام حلو شهي لكنه قد وضع فيه السم، فالأحمق يغفل عما فيه من السم فيقدم على تناوله فيكون فيه عطبه وهلاكه، والعاقل يمنعه تبصره بما فيه من السم عن تعاطيه. ولقد أحسن من قال:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ

تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النارُ

ومما يعين على هذا أيضا استحضار مراقبة الله تعالى للعبد واطلاعه عليه وأنه محيط به لا يخفى عليه شيء من أمره، فيستحيي العبد أن يبارز ربه بالمعصية وهو عالم أنه ناظر إليه مطلع عليه.

يقول ابن القيم رحمه الله: وملاك الأمر كله الرغبة في الله وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه وإلى لقائه، فإن لم يكن للعبد همة إلى ذلك فالرغبة في الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم تكن له همة عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه، ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه. فهذه فصول أربعة هن ربيع المؤمن وصيفه وخريفه وشتاؤه، وهن منازله في سيره إلى الله عز وجل، وليس له منزلة غيرها. فأما مخالفة الهوى فلم يجعل الله للجنة طريقا غير مخالفته، ولم يجعل للنار طريقا غير متابعته، قال الله تعالى: {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}. وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قيل هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة فيتركها لله. انتهى.

ورأس الأمر الاستعانة بالله والتوكل عليه في الهداية إلى الصراط المستقيم فإنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني