الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بر الوالدين واجب ولا يسقط بإساءتهما إلى أولادهما

السؤال

أرجو من فضيلتكم أن يتسع صدركم لأسئلتي، لأن الأمر تتوقف عليه حياة أسرة، وأرجو منكم ألا تتأخروا في الرد على رسالتي، منذ أن تزوجت أمي منذ 45 سنة قد ارتضت وقبلت من أبي تصرفات وأفعالا لا يرضاها الله ورسوله ولا يقبلها ذوعقل أو إحساس أو كرامة، ولكنها قبلت بحجة أنها تحبه إلى درجة العبادة، ورفضت التخلص من هذا الوضع حتى لا يشمت فيها أحد وحتى تربي أولادها، ومنذ 15 سنة وافقت بكل رضى وأقنعت إخوتي - إلا أنا - على أن يتزوج أبي بامرأة سعودية حتى يبقى بالسعودية ويحافظ للأسرة على مستوى معيشة كلها بذخ وإسراف وتبذير، فأبي كان يصرف راتبه وراتب زوجته ـ أي حوالي 15 ألف ريال شهريا ولايكفي متطلبات الأسرة، والآن أبي بلا عمل ويعيش فقط على معاش زوجته، فانقلبت أمي عليه بحجة أنها أنهت تربية أولادها، وأن أبي يصرف أموال زوجته السعودية على نفسه وزوجته فقط رغم أنه يعطي أمي 1500ج شهريا، ويعطي أخي الأصغر1500ج شهريا.
والمشكلة أن أبي وأمي يشتركان في طبع غريب وهو أن من يريد منهم أن يستميل أحدا ناحيته يغدق عليه الأموال ثم يقوم بمعايرته بعد ذلك أي يشترى ذمته حتى إن خالفه الرأي أو نصحه انقلب عليه، وخاصة أمي فإن من يقول لها الحق أو يخالفها الرأي تنقلب عليه، بل وتدعو عليه وتردد دائما أنها تختم القرآن، وأن من يخالفها سيسحقه الله. فرجاء من فضيلتكم الإجابة على الأسئلة التالية:
1ـ ما حكم الشرع في قبول أمي لتصرفات أبي الخاطئة منذ زواجهما وسكوتها على هذا الحال؟.
2ـ ما حكم الشرع في اشتراكها مع أبي وموافقتها على الزواج من سعودية للاستفادة من أموالها؟.
3ـ ما حكم الشرع في تبذير أبي وأمي وإخوتي لأموال زوجة أبي أو حتى أموال أبي؟.
4ـ ما حكم الشرع في تحول موقف أمي الآن وانقلابها على أبي بحجة أنه لا يعدل بينهما، وهو يعيرها بأنها قبلت هذا الوضع وقبلت أن تعيش مع الزوجة الثانية في نفس المسكن، بل تقوم على خدمتها هي وأبي وإخوتي حتى في أشياء أستحيي من ذكرها، وكادت ترغمني على ذلك ولكنني رفضت؟.
5ـ ما حكم دعاء أمي على من يخالفها؟.
6ـ ما موقفي تجاه كل هذه الأخطاء خاصة وأنني وزوجي نرفض بشدة كل هذه الأفعال؟.
7ـ أين صلة الرحم التي أوصى الله بها في كل هذه التصرفات؟.
علما بأنهم غير معترفين بأخطائهم ولا يخافون على خراب منزلي، وأنا لا أريد منهم شيئا إلا أن يتركوني أعيش وأربي أولادي وأحافظ على بيتي، فزوجي تحمل الكثير حتى وصلنا إلى مرحلة لا نستطيع تحملها، فهل يرضى الله بهذا حتى مكالمتهم تليفونيا أصبحت شبه مستحيلة، لأن فيهم طبعا سيئا ـ يفتحون مايك الموبايل ولا يهتمون بالخصوصية، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسنجيب على هذه الأسئلة في النقاط التالية:

النقطة الأولى: لم تذكري التصرفات الخاطئة التي كان الأب يمارسها، وعلى كل فإن كانت أمك قد اطلعت منه على شيء منها فكان الواجب عليها أن تناصحه، ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة.

وإن كنت تعني أن أمك لم تطلب منه الطلاق بسبب ذلك فجوابه أن ذلك لا يلزمها إن لم يحدث ما يقتضي ردته، وراجعي الفتوى رقم: 169285، وهي عن زوجة المرتد.

النقطة الثانية: زواج الرجل من زوجة ثانية جائز بشرط العدل، وموافقة أمك عليه تحمد عليه، وقصد الاستفادة من أموال الزوجة الثانية لا تأثير له على صحة الزواج.

النقطة الثالثة: التبذير محرم، ذم الله فاعله فقال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا {الإسراء:27}.

ولا يجوز للمسلم التبذير ولو في ماله، فإذا كان بمال غيره، ومن غير رضاه، فالإثم أشد، وانظري الفتوى رقم: 19064.

النقطة الرابعة: لا حرج على أمك في مطالبة أبيك بالمسكن المستقل أو النفقة أو العدل بينها وبين زوجته الثانية وإن كانت قد تنازلت عن شيء من ذلك في الماضي، وانظري الفلتوى رقم: 48409.

النقطة الخامسة: دعاء أمك على من يخالفها إن لم يكن بوجه حق فيرجى أن لا يستجاب، إلا أنه يخشى أن يستجاب دعاؤها على أولادها ولو كان الولد معذورا، كما بينا بالفتوى رقم: 70101.

النقطة السادسة: موقفك وزوجك هو مناصحة المخطيء برفق ولين، فنهي الوالدين عن المنكر لا يعد عقوقا، بل هو من الإحسان، وراجعي الفتوى رقم: 9647.

النقطة السابعة: صلة الرحم واجبة على كل حال أي ولو كانت الرحم فاسقة، وخاصة إن كانت الرحم الوالدين، ويمكن مطالعة الفتوى رقم: 42804.

والصلة تكون حسب الممكن، فإنها يرجع فيها إلى العرف كما ذكر الفقهاء، وسبق لنا بيان ذلك بالفتوى رقم: 7683.

وفي الختام فإننا نوصي بالصبر، وخاصة على تصرفات الوالدين، والدعاء لهما بالهداية والصلاح، والحرص على برهما وإن أساءا، فبرهما لا يسقط عن أولادهم في أي حال من الأحوال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني