الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التطاول على الله تعالى أعظم جرما من قتل المسلم بغير حق

السؤال

السؤال هو: فيه شخص تطاول على الله سبحانه وتعالى وواجهنا أمرين اثنين هما: ما هو الأشد عند الله: التطاول على الله سبحانه أم قتل المسلمين الأبرياء؟ يعني شخص ثائر من الثورة تكلم في موضوع عن الثورة وتجاوز حدوده مع الله وتطاول، والثاني هو النظام عندنا يقتل الأبرياء من المسلمين, وأحد الإخوة وضع استبيانا أوتصويتا، فما هو الأكثر خطورة على أمن واستقرارالبلد وثورتها وأشدها انتهاكا لحرمة دين الإسلام؟ وكانت الخيارات: قتل الأبرياء ـ أم الشخص الذي تطاول على الله؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن التطاول على الله تعالى ـ الذي هو نوع من الكفر ـ أشد مقتا وأقبح جرما من بقية الذنوب التي هي دون الكفر ، والمسلم وإن أصابه ما أصابه من مصائب الدنيا حتى القتل، لا يقارن حاله بالكافر الذي عوفي في دنياه وأوتي منها ما يشتهي، ولكن هذا لا يظهر إلا إذا كُشِف الغطاء وصار البصر حديدا، وعاين المرء الحقيقة بعد انتقاله من هذه الدار إلى دار الجزاء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم.

ودين المسلم آثر لديه، وأغلى عنده وأهم مما دونه من الأمور، بالغة ما بلغت، كائنة ما كانت، ولذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا ـ رضي الله عنه ـ بعشر كلمات، فكان مقدمها وأولها: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحُرِّقت. رواه أحمد وحسنه الألباني.

وبمثل ذلك أوصى أبا الدرداء ـ رضي الله عنه، رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

ولذلك كانت الردة عن الدين بالتطاول على الله أو بغيره من نواقض الإسلام: أشد وأكبر من القتل، كما قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ { البقرة: 191}.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: الفتنة فيها قولان:

أحدهما: أنها الشرك، قاله ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وقتادة في آخرين.

والثاني: أنها ارتداد المؤمن إلى عبادة الأوثان، قاله مجاهد.

فيكون معنى الكلام على القول الأول: شرك القوم أعظم من قتلكم إياهم في الحرم.

وعلى الثاني: ارتداد المؤمن إلى الأوثان أشد عليه من أن يقتل محقاً. اهـ.

وقال عز وجل: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ { البقرة: 217}.

قال ابن الجوزي: والفتنة هاهنا بمعنى الشرك، قاله ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، والجماعة. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 150995.

ولذلك آثر المؤمنون برب الغلام في قصة أصحاب الأخدود الموت على الردة، فلما قيل للملك: قد آمن الناس، أمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق. رواه مسلم.

وهذا من أبين ما يكون في المقارنة بين وقوع المرء في ما يخرجه من الملة وبين قتله بأبشع الطرق.

ومما يدل على ذلك أيضا حديث ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك. متفق عليه.

فهذا الحديث ونحوه يرتب الكبائر ترتيبا تنازليا، فأكبرها الكفر والشرك، وهو أشد من القتل.

وهنا لابد من التنبيه على أن هذا لا يعني التهوين من شأن الدماء، فإن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق من أكبر الكبائر، وهو أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وراجع في ذلك الفتوى: 109347.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني