السؤال
لما ذا كل شيء حرام؟ الموسيقى والأفلام والرسم حرام؟ فكلمة حرام كثرت جدا ونسمعها كثيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن الله إنما خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، فنحن لم نخلق عبثا ولن نترك سدى، بل خلقنا لنؤمر وننهى ثم تكون العاقبة أن يثاب ممتثل الأمر مجتنب النهي ويعاقب تارك الأمر فاعل النهي، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {المؤمنون:115}.
فإذا علمت هذا، فإن الله تعالى لرحمته بالخلق بعث فيهم رسولا يعلمهم ويزكيهم ويهديهم ـ بإذن الله ـ إلى صراطه المستقيم وبين على لسانه الحلال والحرام وأخبر أنه لا ينال الفوز والنجاة إلا من اتبعه وأن من عصاه فهو الخاسر المغبون، ولم يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه حتى كمل الله له الدين وبين للناس ما هم بحاجة إليه، فلم يترك شيئا يقرب من الله إلا دل عليه ولم يترك شيئا يقرب من النار إلا حذر منه، وكان المؤمن حقا هو الذي يبلغه الأمر من أمره صلى الله عليه وسلم فيبادر بالامتثال والإذعان، فهذه علامة الإيمان الصادق، فإذا ثبت أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء أو نهيه عن شيء فليس للمسلم اختيار مع أمر الله ورسوله، فإن قدم الإسلام لا تثبت إلا على ظهر التسليم والاستسلام، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.
وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51}.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
فالواجب عليك أولا أن توطني نفسك على الإذعان لأمر الله ورسوله دون مناقشة أو اعتراض، فمتى ثبت النص بالنهي عن شيء فبادري بتركه من غير تردد إن كنت تريدين السعادة والنجاة، ثم اعلمي أن الله تعالى حكيم فهو لم يحرم ما حرم من الأشياء ليشق على عباده أو ليعنتهم حاشاه سبحانه، بل حرم ما حرم لما تقتضيه حكمته، ولما يعلمه من المفسدة العظيمة والضرر الذي يلحق العباد بتعاطي ما حرمه الله عليهم، فالمعازف والأفلام المشتملة على ما يسخط الله من المناظر المنكرة والأقوال القبيحة مما يعلم كل عاقل أن لها أثرا عظيما في إفساد القلب والحيلولة بينه وبين مصالح دنياه وآخرته، فإذا أيقنت بحكمة الله تعالى وأنه لم يحرم هذه الأشياء إلا لما لعباده في تحريمها من المصلحة سهل عليك اجتنابها وعلمت أن تركها هو الخير لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أحل الطيبات وحرم الخبائث، بل العاقل يحمد الله على تحريم ما حرم كما يحمده على إباحة ما أباح، ألا ترين أن العاقل يمتنع عما يضره من الأطعمة والأشربة لما تعقبه من التعب والألم، ثم إن ما زعمته من أن كل شيء محرم هو غلط عظيم، بل كل الأشياء الأصل فيها الإباحة والحمد لله، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة:29}.
فدائرة المحرمات أضيق بكثير جدا من دائرة ما أباحه الله وأحله لعباده، وعليك أن تعددي أصناف ما أبيح أكله من الطيبات بالنسبة إلى ما حرم من الخبائث لتتبين لك نسبة المحرم إلى المباح، وهذا هو الشأن في سائر ما شرعه الله، فالمباح فيه أكثر بكثير، ولكن الإنسان الظلوم الجهول ولوع بالمخالفة وفعل ما نهي عنه، فلله الأمر، فإذا كان المحرم بهذه القلة وكان إنما حرم للمصلحة فكيف يقال إن كل شيء محرم؟ ثم نختم بالتنبيه على أن الرسم ليس من المحرمات، بل هو من المباحات، فيباح للإنسان أن يرسم ما شاء من المناظر والبيوت والأشجار والبحار وما إليها، غير أنه ممنوع فقط من رسم ذوات الأرواح، لئلا يضاهي خلق الله فالله وحده هو الخالق البارئ المصور، كما ننبه على أن الحل والحرمة لا تتلقى معرفتها إلا عن أهل العلم الراسخين فيه، وليس لأحد أن يتكلم في هذا الباب بغير علم فإنه من كبائر الذنوب، قال تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل:116}.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني