الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح للزوجات المتسخطات على متاع الدنيا

السؤال

حدث وأن اختلفت مع زوجتي بخصوص موضوع السكن، علماً بأنني أسكن في شقة مستقلة بجميع مرافقها تتكون من ثلاث غرف ومطبخ وصالة للضيوف ودورتي مياه وبابها يفتح على الشارع مباشرة وارتفاعها دور واحد عن الأرض وهي تريد مسكناً أرضياً وتنظر إلى وضع إخوتي المادي الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى بالمال الوفير ويشيدون قصوراً وهي في إلحاح مستمر بشأن هذا الموضوع لدرجة أنها تركت الشقة وذهبت للإقامة عند أهلها في محاولة منها لإجباري على شراء مسكن أرضي ليس لي الاستطاعة مادياً أن أشتريه خصوصاً وأنني من مدينة سرت الليبية وتعلمون ما مرت به هذه المدينة من دمار بعد انتهاء الحرب ووضع السكن فيها صعب وذهبت أنا ووالدي إلى أهلها بعد عدة أيام وشرحت لهم الموقف وأنني قد تعبت من كثرة إلحاحها لدرجة أن الهم والغم أصبح يلازمني ويجب أن توقف هذا الأمر وعندما طلب منها أهلها العودة للشقة ورجعت فعلاً أقامت لي ليلة من الشجار الطويل وحاولت تجنبها وكانت تلاحقني ووصل بها سوء الخلق أن وصفت أبي بوصف لا يليق به وهو لم يسئ لها فغضبت وضربتها، ومباشرة ذهبت إلى أهلها وأخبرتهم بما حدث فحضر أخواها وأمها وذهبت معهم لمنزل أهلها من جديد وبعد عدة أيام ذهبت إلى أهلها واعتذرت لهم واعترفت بأنني أخطأت عندما ضربتها وشرحت لهم الموقف بالكامل، المهم ونظراً لأن أمي ميتة كانت زوجة أبي ـ جزاها الله خيراً ـ تحاول ترميم الصدع وحل المشكلة وكانت تحدثني بخصوص الموضوع فقلت لها وأنا متوتر بأن الإلحاح المستمر من قبل زوجتي قد أتعبني وفي حالة رجوعها للشقة واستمر هذا الإلحاح سوف أضع خطاً أحمر قاصداً بذلك الطلاق، وبعد عدة أيام عندما راجعت نفسي لم أتذكر قصدي بشأن الإلحاح هل يشمل كل موضوع أو أنني قصدت ذلك المتعلق بالسكن فقط فقلت في نفسي باعتبار أن السكن هو جوهر المشكلة وغلب على ظني أنه بشأن السكن فخصصت لفظ الإلحاح بشأنه، فذهبت إلى أهلها وأخبرتهم بأنه في حالة رجوعها للشقة وقامت بالإلحاح من جديد بشأن موضوع السكن بل إن الإلحاح يشمله لفظ أريد مسكناً فإنني سوف أطلقها، وسؤالي هو: هل يلزمني هنا الطلاق مرتين أو مرة واحدة إذا صدر عنها الإلحاح بعد رجوعها للشقة باعتبار أن حديثي مع زوجة أبي لم أتذكر فيه معنى الإلحاح وقمت بعد ذلك بتخصيصه بشأن السكن لأنني كما أسلفت قد غلب على ظني أنه بشأن السكن فقط وهو جوهر الخلاف.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما صدر منك هو مجرد وعد وتهديد بإيقاع الطلاق ولا يلزمك إيقاعه ولو ألحت في طلب السكن أو غيره، ولا ينبغي لك الوفاء ما دمت ترجو بقاء العشرة واستمرارالزوجية ونبذ ما وقع من جفاء، وعلى زوجتك أن تتقي الله تعالى في نفسها وفيك ولا تكلفك ما لا طاقة لك به، ولا يجوز لها أن تترك بيتها لمجرد رغبتها في سكن أرضي، وخروجها من بيتها لأجل ذلك يعتبر نشوزا، فقد قال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ {الطلاق:6}.

فحق الزوجة على زوجها أن يفرد لها مسكنا على قدر استطاعته ووجده، وأن لا يلحقها بالسكن فيه ضرر كأذية أهل وضرة ونحو ذلك، ونوصي زوجتك بتقوى الله عز وجل وأن تكون عونا لزوجها وأن تنظر إلى من هم دونها في متاع الدنيا لترضى بما أنعم الله عليها ولا تنظر إلى من هم فوقها فتزدري نعم الله عليها، ولتعلم أن السعادة ليست بالمال والقصور وإنما هي في الرضى بما قسم الله والمودة بين الزوجين وإعانة كل منهما للآخر وإكرامه إياه ولو كانا يسكنان كوخا من قصب أو خيمة من شعر، وقديما قالت المرأة:

للبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوفِ

وبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيفِ.

وأكل كسيرة في كسر بيتي أحبّ إليّ من أكل الرغيف.

فمن أعظم أسباب اطمئنان الشخص وراحته النفسية أن يرضى بما قسم الله تعالى وقدره، وأن لا يستنقص ما هو فيه، وأن يعلم أنه ما من درجة يصل إليها من النقص أو الفقر إلا وتحتها درجات، لو استحضرها لحمد الله عز وجل على ما هو فيه ولعلم أنه في نعمة كبيرة، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: انْظُرُوا إِلَىَ مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَىَ مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللّه. رواه مسلم وغيره.

فالإنسان إذا نظر إلى مَن فُضِّل عليه في الدنيا استصغر ما عنده من نعم الله وكان سبباً لمقته، وإذا نظر للدون شكر النعمة وتواضع وحمد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني